امنا خديجة بنت خويلد
86ق.هـ ـ 3ق.هـ)
هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين.
ولدت بمكة ونشأت في بيت مجد وشرف ورياسة فنشأت على التخلق بالأخلاق الحميدة واتصفت بالحزم والعقل والعفة
فكانت تدعى في الجاهلية الطاهرة. تزوجت قبل زواجها برسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين باثنين من سادات العرب:
عتيق بن عائذ المخزومي وأبي هالة هند بن زرارة التميمي.
كانت ذات مال وتجارة تستأجر الرجال لتجارتها وتبعثها إلى الشام، وبلغها عن محمد بن عبد الله كرم أخلاقه وصدقه
وأمانته فعرضت عليه الخروج في مالها إلى الشام مع غلامها ميسرة، فقبل وخرج في تجارتها وعاد بأرباح كبيرة ،
وأخبرها ميسرة عن كرم أخلاقه وصفاته المتميزة فرغبت في الزواج منه وعرضت صديقتها نفيسة بنت منية عليه
الزواج من خديجة فقبل وتزوجها، وكان عمره خمسة وعشرين عاماً وعمرها أربعين. ولم يتزوج عليها غيرها
طيلة حياتها وولدت له: القاسم وعبد الله وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة.
ولما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت خديجة أول من آمن به. فقد عاد إليها صلى الله عليه وسلم من غار حراء
وهو يرتجف وحدثها عما جرى له في أول لقاء مع الوحي وقال: (لقد خشيت على نفسي) فقالت له في ثقة ويقين :
(إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة، والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث، وتحمل الكَلّ وتقري
الضيف، وتعين على نوائب الحق ) وكانت بعد ذلك الزوجة المثالية التي تخفف عنه ما يعانيه من أذى قومه تثبته وتصدّقه
وتهون عليه أمر الناس، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نعم الملاذ والسكن والوزير.
بشرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. وقال عنها: خير نساء العالمين:
مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم.
توفيت قبل الهجرة بثلاث سنوات في شهر رمضان ودفنت بالحجون في مكة وحزن عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً.
وكان كثير الذكر لها بعد موتها ولم يسأم من الثناء عليها حتى غارت السيدة عائشة وقالت: لقد عوضك الله من كبيرة السن
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً عظيماً حتى تمنت أن يذهب الله غضب رسوله ولا تعود لذلك أبداً. تقول:
ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم
يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا
إلا خديجة. فيقول: إنها كانت وكان لي منها ولد. وزادت غيرتها ذات يوم فقالت له: هل كانت إلا عجوزاً فقد أبدلك الله خيراً منها،
فغضب حتى اهتز مقدم شعره من الغضب، ثم قال: (لا والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمنت بي إذ كفر الناس وصدقتني إذ كذبني الناس،
وواستني في مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها أولاداً إذ حرمني أولاد النساء)
[مسند أحمد 6/118 ـ ابن حجر في فتح الباري 7/140، 9/327 ـ ابن كثير في البداية والنهاية 3/126].
رآها خير الأنام في المنام، ورؤيا الأنبياء حق وصدق، وتزوجها بوحي من ربه عز وجل، ألقى عليها الله رداء الحياء وهي طفلة صغيرة، وأنعم عليها من جزيل نعمه ومننه بغير حساب وهداها إلى طريق الحق والخير، فكانت افقه الناس.
ولدت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق قبل البعثة بأربع أو خمس سنين في مكة المكرمة، وكانت تكنى ب “أم عبد الله”، أبوها أبو بكر بن أبي قحافة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم- وخليفته ورفيق دربه ودعوته، وأمها أم رومان بنت عامر الكنانية، الزوجة الصالحة التقية، ماتت في السنة السادسة للهجرة ودعا لها النبي لورعها وحسن إسلامها وإيمانها.
عاشت عائشة رضي الله عنها- 65 عاما، منها 9 في بيت أبيها و9 في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم- “في حياته” و47 عاما من بعدها كانت خلالها صوامة قوامة، تعلم الناس أمر دينهم، وتفسر لهم ما شق عليهم.
ولدت في السنة التاسعة قبل الهجرة وتوفيت سنة 58 ه “613-678م”.
هي أقرب الزوجات إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم- وكان يقول: “اللهم إن هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما لا املك”.
أبوان مؤمنان
نشأت السيدة عائشة بين أبوين كريمين مؤمنين في بيت أنار الإسلام أركانه وأقام أساسه وبنيانه.
هي أفقه نساء العالمين في أمور دينها، كما كانت أديبة لبيبة، تحفظ انساب العرب وأخبارهم وأسفارهم وترددها في كل مواقف الحياة التي تصادفها.
وعند فراق أبيها أنشدت بيتا من معلقة عبيد بن الأبرص، وهو من فحول شعراء الجاهلية، يقول البيت:
وكل ذي غيبة يؤوب
وغائب الموت لا يؤوب
كانت مرجعا في أمور الدين، في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، والفقه والمواريث.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه- قال: “ما أشكل علينا أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- حديث قط، فسألنا عائشة إلا وجدنا عندها منه علما”.
عقد عليها النبي صلى الله عليه وسلم- وهي بنت ست أو سبع ودخل بها وهي في التاسعة في السنة الأولى من الهجرة بالمدينة المنورة.
تزوجها بعد وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها- بثلاث سنوات ومات عنها وهي في سن الثامنة عشرة، ولم ينكح بكرا سواها.
أنزل الله فيها قرآنا برأها من فوق سبع سماوات، وأثنى عليها، وكشف زيف أعدائها.
روت أكثر من 2210 أحاديث عن أبيها وعن عمر وفاطمة وسعد وغيرهم من الصحابة الكرام، وروى عنها عمر وابنه عبد الله وأبو هريرة وأبو موسى وزيد وخالد وابن عباس وغيرهم.
ورثت عن أبيها خير الخصال، واكتسبت في بيت النبوة أعظم القيم وأحمد الصفات.
قالت عائشة -رضي الله عنها- تزوجني رسول الله حين أتاه جبريل بصورتي، وإني جارية علي خوف، فلما تزوجني ألقى الله عليّ حياء وأنا صغيرة.
وعنها -رضي الله عنها- أن جبريل -عليه السلام- جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم- وقال له: “هذه زوجك في الدنيا والآخرة”.
أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم- خولة بنت حكيم إلى بيت أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- لتخطب له عائشة، عرضت الأمر على أم رومان فكانت سعادتها تفوق كل الأوصاف لكنها أمهلتها حتى يأتي زوجها فلما أتى وعلم النبأ، سأل:
أو تصلح له وهي ابنة أخيه؟
فلما بلغ النبي قوله، قال:
“أنا أخوه، وهو أخي، وابنته تصلح لي”.
لأنها أخوة إسلام وإيمان، لا أخوة رحم ونسب.
جاء النبي صلى الله عليه وسلم- وخطب كريمته من بيت أبيها.
كانت عائشة -رضي الله عنها- على حداثة سنها تعرف معنى الزواج وتعرف حقوق الأزواج قالت: “تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم- في شوال، وبنى بي في شوال فأي نسائه كانت أحظى مني”.
شعرت الزوجة الشابة بالغيرة من الزوجات الأخريات كغيرها من النساء، وخاصة من حفصة بنت عمر، وأم سلمة هند بنت أبي أمية، وجويرية بنت الحارث، وصفية بنت حيي، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وزينب بنت جحش.. من هذه لجمالها ومن تلك لأمومتها، وفي الثالثة لمهارتها في أمر من أمور الحياة، لكنها كانت تغار أكثر من السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- لكثرة حديث النبي عنها وثنائه عليها.
لكنها غيرة محمودة ومحدودة، تمر سريعا كسحب الصيف، وتعود صاحبتها إلى صوابها ورشدها وحكمتها وفطنتها.
يتبع