هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالقرآن الكريم البوابةأحدث الصورالتسجيلالتحميل شات ثقافة دخول

 

 المقامة 41-42-43 الصعدية - المروية - العمانية

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
khaled1212
عضو ماسي
عضو ماسي
khaled1212


ذكر
عدد الرسائل : 2380
السٌّمعَة : 1
نقاط : 60
تاريخ التسجيل : 05/10/2007

المقامة 41-42-43 الصعدية - المروية - العمانية Empty
مُساهمةموضوع: المقامة 41-42-43 الصعدية - المروية - العمانية   المقامة 41-42-43 الصعدية - المروية - العمانية I_icon_minitimeالأربعاء يناير 16, 2008 4:31 pm

المقامة الصَّعْديّة

حكى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: أصْعَدْتُ الى صَعْدَةَ. وأنا ذو شَطاطٍ يحْكي الصّعْدَةَ. واشتِدادٍ يبدُرُ بناتِ صَعدةَ. فلمّا رأيتُ نَضرتَها. ورعَيْتُ خُضرتَها. سألتُ نَحاريرَ الرّواةِ. عمّنْ تحْويهِ منَ السَّراةِ. ومعادِنِ الخيْراتِ. لأتّخِذَهُ جَذْوَةً في الظُلُماتِ. ونَجدَةً في الظُّلاماتِ. فنُعِتَ لي قاضٍ بها رحيبُ الباعِ. خَصيبُ الرِّباعِ. تَميميُّ النّسَبِ والطّباعِ. فلمْ أزَلْ أتقرَّبُ إليْهِ بالإلْمامِ. وأتَنَفّقُ عليهِ بالإجْمامِ. حتى صِرْتُ صَدى صَوْتِهِ. وسَلْمانَ بيتِهِ. وكنتُ معَ اشْتِيارِ شَهْدِهِ. وانتِشاقِ رَنْدِهِ. أشْهَدُ مَشاجِرَ الخُصومِ. وأسفِرُ بينَ المَعصومِ منهُمْ والموْصومِ. فبَينَما القاضي جالِسٌ للإسْجالِ. في يومِ المحْفِلِ والاحتِفالِ. إذ دخَلَ شيخٌ بالي الرّياشِ. بادِي الارتِعاشِ. فتبصّرَ الحفْلَ تبصُّرَ نقّادٍ. ثم زعَمَ أنّ لهُ خصْماً غيرَ مُنقادٍ. فلمْ يكُنْ إلا كضَوْء شَرارَةٍ. أو وحْيِ إشارٍَ. حتى أُحضِرَ غُلامٌ. كأنّهُ ضِرْغامٌ. فقال الشيخُ: أيّدَ اللهُ القاضيَ. وعصَمَهُ منَ التّغاضي. إنّ ابْني هذا كالقَلَمِ الرّديّ. والسيفِ الصّدِيّ. يجهَلُ أوْصافَ الإنصافِ. ويرْضَعُ أخلافَ الخِلافِ. إنْ أقدَمتُ أحجَمَ. وإذا أعرَبْتُ أعجَمَ. وإنْ أذْكَيْتُ أخْمَدَ. ومتى شوَيتُ رمّدَ. معَ أنّي كفَلْتُهُ مُذْ دَبّ. الى أن شبّ. وكنتُ لهُ ألْطَفَ مَنْ ربّى ورَبَّ. فأكْبَرَ القاضي ما شَكا إليْهِ. وأطْرَفَ بهِ منْ حَوالَيْهِ. ثمّ قال: أشْهَدُ أنّ العُقوقَ أحدُ الثُّكْلَينِ. ولَرُبّ عُقْمٍ أقَرُّ للعَينِ. فقالَ الغُلامُ. وقد أمعَضَهُ هذا الكلامُ: والذي نصَبَ القُضاةَ للعدْلِ. وملّكَهُمْ أعِنّةَ الفضْلِ والفَصْلِ. إنّه ما دَعا قَطُّ إلا أمّنْتُ. ولا ادّعى إلا آمَنْتُ. ولا لَبّى إلا أحْرَمْتُ. ولا أوْرَى إلا أضْرَمْتُ. بيْدَ أنهُ كمَنْ يبْغي بيْضَ الأنُوقِ. ويطْلُبُ الطّيَرانَ منَ النّوقِ! فقالَ لهُ القاضي: وبِمَ أعْنَتَكَ. وامتَحَنَ طاعتَكَ? قال: إنهُ مُذْ صَفِرَ منَ المالِ. ومُنِيَ بالإمْحالِ. يسومُني أنْ أتلَمّظَ بالسّؤالِ. وأستَمْطِرَ سُحْبَ النّوالِ. ليَفيضَ شِربُهُ الذي غاضَ. وينْجَبرَ منْ حالِهِ ما انْهاضَ. وقد كانَ حينَ أخذَني بالدّرْسِ. وعلّمَني أدَبَ النّفْسِ. أشْرَبَ قلْبي أنّ الحِرْصَ مَتعَبَةٌ. والطّمَعَ معْتَبَةٌ. والشَّرَهُ مَتْخَمَةٌ. والمسألَةَ مَلأمَةٌ. ثمّ أنشدَني منْ فلْقِ فيهِ. ونحْتِ قَوافيهِ:
إرْضَ بأدنى العيشِ واشْكُرْ عليْهِ *** شُكْرَ منِ القُـلُّ كـثـيرٌ لـدَيْهْ
وجانِبِ الحِرصَ الـذي لـم يزَلْ *** يحُطُّ قدْرَ المُـتَـراقـي إلَـيْهْ
وحامِ عنْ عِرضِكَ واستَـبْـقِـهِ *** كما يُحامي اللّيْثُ عنْ لِبْـدتَـيْهْ
واصْبِرْ على ما نابَ مـنْ فـاقَةٍ *** صبْرَ أولي العزْمِ وأغمِضْ عليْهْ
ولا تُرِقْ ماء الـمُـحَـيّا ولـوْ *** خوّلَكَ المسْؤولُ مـا فـي يدَيْهْ
فالحُرُّ مَـنْ إنْ قَـذيَتْ عـينُـهُ *** أخْفى قَذى جَفنَيْهِ عن ناظِـرَيْهْ
ومَـنْ إذا أخْـلَـقَ ديبـاجُــهُ *** لمْ يرَ أنْ يُخْلِـقَ ديبـاجَـتَـيْهْ
قال: فعبَسَ الشيخُ واكفهَرّ. وانْدرَأ على ابنِهِ وهرّّ. وقال لهُ: صَهْ يا عُقَقُ. يا مَنْ هوَ الشّجَى والشَّرَقُ! ويْكَ أتُعَلّمُ أمّكَ البِضاعَ. وظِئْرَكَ الإرْضاعَ? لقدْ تحكّكَتِ العقْرَبُ بالأفعى. واستَنّتِ الفِصالُ حتى القَرْعى! ثمّ كأنّهُ ندِمَ على ما فرَطَ منْ فيهِ. وحدَتْهُ المِقَةُ على تَلافِيهِ. فرَنا إلَيْهِ بعينِ عاطِفٍ. وخفضَ لهُ جناحَ مُلاطِفٍ. وقال لهُ: ويْكَ يا بُنيّ إنّ مَنْ أُمِرَ بالقَناعَةِ. وزُجِرَ عنِ الضّراعَةِ. هُمْ أرْبابُ البِضاعَةِ. وأولُو المَكسَبَةِ بالصّناعَةِ. فأمّا ذَوو الضّروراتِ. فقدِ استُثْنيَ بهِمْ في المَحْظوراتِ. وهبْكَ جهِلْتُ هذا التّأويلَ. ولمْ يبلُغْكَ ما قيلَ. ألسْتَ الذي عارَضَ أباهُ. في ما قالَ وما حاباهُ:
لا تقْعُدَنّ على ضُرٍّ ومسْـغَـبَةٍ *** لكيْ يُقالَ عزيزُ النّفسِ مُصطَبِرُ
وانظُرْ بعينِكَ هل أرضٌ مُعطّـلةٌ *** منَ النّباتِ كأرضٍ حفّها الشّجَـرُ
فعَدِّ عمّا تُـشـيرُ الأغْـبِـياءُ بـهِ *** فأيُّ فضْلٍ لعودٍ مـا لـهُ ثـمَـرُ
وارْحَلْ رِكابَكَ عن ربْعٍ ظمئتَ به *** الى الجَنابِ الذي يَهمي بهِ المطَرُ
واستَنزِلِ الرّيَّ من دَرّ السّحابِ فإنْ *** بُلّتْ يَداكَ بهِ فليَهنِكَ الـظّـفَـرُ
وإنْ رُدِدتَ فما في الرّدّ مَنقَـصَةٌ *** عليكَ قد رُدّ موسى قبلُ والخَضِرُ
قال: فلما أنْ رأى القاضي تَنافيَ قولِ الفتى وفِعلِهِ. وتحلّيَهُ بما ليسَ منْ أهلِهِ. نظَرَ إليْهِ بعَينٍ غَضْبى. وقال: أتَميميّاً مرّةً وقَيسِيّاً أخرى? أُفٍّ لمَنْ ينقُضُ ما يَقولُ. ويتلوّنُ كما تتلوّنُ الغولُ! فقال الغُلامُ: والذي جعلَكَ مِفْتاحاً للحَقّ. وفتّاحاً بينَ الخَلْقِ. لقدْ أُنسيتُ مُذْ أسِيتُ. وصَدِئ ذِهْني مُذْ صَديتُ. على أنّهُ أينَ البابُ الفُتُحُ. والعَطاءُ السُّرُحُ? وهلْ بقيَ منْ يتبرّعُ باللُّهى. وإذا استُطْعِمَ يقولُ ها? فقالَ لهُ القاضي: مَهْ! فمَعَ الخَواطئ سهْمٌ صائِبٌ. وما كُلُّ برْقٍ خالِبٌ. فميّزِ البُروقَ إذا شِمْتَ. ولا تشْهَدْ إلا بما علِمْتَ. فلمّا تبيّنَ للشّيخِ أنّ القاضيَ قدْ غضِبَ للكِرامِ. وأعْظَمَ تبْخيلَ جميعِ الأنامِ. علِمَ أنّهُ سينصُرُ كلِمَتَهُ. ويُظهِرُ أُكرومَتَهُ. فما كذّبَ أنْ نصَبَ شبكَتَهُ. وشوَى في الحَريقِ سمكَتَهُ. وأنْشأ يقول:
يا أيّها القاضي الذي عِلـمُـهُ *** وحِلمُهُ أرسَخُ منْ رَضْـوَى
قدِ ادّعى هَذا على جـهـلِـهِ *** أنْ ليسَ في الدُنيا أخو جَدوى
وما دَرَى أنكَ منْ معـشَـرٍ *** عطاؤهُمْ كالمَنِّ والسّـلْـوى
فجُدْ بِم يَثْنيهِ مُـسـتَـخـزِياً *** مما افتَرى من كذِبِ الدّعوى
وأنثَني جَذْلانَ أُثْـنـي بـمـا *** أولَيتَ من جَدوى ومن عَدوى
قال: فهَشّ القاضي لقولِهِ. وأجزَلَ لهُ منْ طولِهِ. ثمّ لفتَ وجهَهُ الى الغُلامِ. وقد نصَلَ لهُ أسهُمَ المَلامِ. وقال لهُ: أرأيْتَ بُطْلَ زعْمِكَ. وخطَأَ وهْمِكَ? فلا تَعجَلْ بعدَها بذَمّ. ولا تنْحَتْ عوداً قبلَ عجْمٍ. وإيّاكَ وتأبّيكَ. عن مُطاوَعَةِ أبيكَ! فإنّكَ إنْ عُدتَ تعُقُّهُ. حاقَ بكَ مني ما تستحِقُّهُ. فسُقِطَ الفَتى في يدِهِ. ولاذَ بحِقْوِ والِدِهِ. ثمّ نهضَ يُحفِدُ. وتبِعَهُ الشيخُ يُنشدُ:
منْ ضامَهُ أو ضارَهُ دهرُهُ *** فلْيَقْصِدِ القاضيَ في صَعْدَهْ
سمَاحُهُ أزْرى بمَنْ قبـلَـهُ *** وعدْلُهُ أتْعَبَ مَنْ بـعْـدَهْ
قال الرّاوي: فحِرْتُ بينَ تعْريفِ الشيخِ وتنْكيرِهِ. الى أنِ احْرَورَفَ لمَسيرِهِ. فناجَيْتُ النّفْسَ باتّباعِهِ. ولوْ الى رِباعِهِ. لعَلّي أظهَرُ على أسرارِهِ. وأعْرِفُ شجرَةَ نارِهِ. فنبَذْتُ العُلَقَ. وانطلَقْتُ حيثُ انطلَقَ. ولم يزَلْ يخْطو وأعْتَقِبُ. ويبْعُدُ وأقتَرِبُ. الى أن تَراءى الشّخْصانِ. وحقّ التّعارُفُ على الخُلْصانِ. فأبْدى حينَئِذٍ الاهْتِشاشَ. ورفَعَ الارتِعاشَ. وقال: منْ كاذَبَ أخاهُ فلا عاشَ! فعرَفْتُ عندَ ذلِكَ أنهُ السَّروجيُّ بِلا مَحالَةٍ. ولا حُؤولِ حالَةٍ. فأسرَعْتُ إليْهِ لأصافِحَهُ. وأستَعْرِفَ سانِحَهُ وبارِحَهُ. فقال: دونَكَ ابنَ أخيكَ البَرَّ. وترَكَني ومَرَّ. فلمْ يعْدُ الفتَى أنِ افْتَرّ. ثمّ فَرّ كما فَرّ. فعُدْتُ وقد استَبَنْتُ عينَهُما. ولكِنْ أينَ هُما.


عدل سابقا من قبل في الأربعاء يناير 16, 2008 5:09 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
khaled1212
عضو ماسي
عضو ماسي
khaled1212


ذكر
عدد الرسائل : 2380
السٌّمعَة : 1
نقاط : 60
تاريخ التسجيل : 05/10/2007

المقامة 41-42-43 الصعدية - المروية - العمانية Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقامة 41-42-43 الصعدية - المروية - العمانية   المقامة 41-42-43 الصعدية - المروية - العمانية I_icon_minitimeالأربعاء يناير 16, 2008 4:32 pm

المقامة المَرْوِيَّة

حكى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: حُبّبَ إليّ مُذْ سعَتْ قدَمي. ونفَثَ قلَمي. أنْ أتّخِذَ الأدَبَ شِرْعَةً. والاقتِباسَ منهُ نُجْعَةً. فكُنتُ أنَقّبُ عنْ أخبارِهِ. وخزَنَةِ أسْرارِهِ. فإذا ألْفَيْتُ منهُمْ بُغيَةَ الملتَمِسِ. وجُذْوَةَ المُقتَبِسِ. شدَدْتُ يَدي بغَرْزِهِ. واستَنزَلْتُ منهُ زَكاةَ كنزِهِ. على أنّي لمْ ألْقَ كالسَّروجيّ في غَزارَةِ السُّحْبِ. ووضْعِ الهِناء مَواضِعَ النُّقْبِ. إلا أنهُ كانَ أسْيَرَ منَ المثَلِ. وأسرَعَ منَ القمَرِ في النُّقَلِ. وكنتُ لهَوى مُلاقاتِهِ. واستِحْسانِ مَقاماتِهِ. أرْغَبُ في الاغتِرابِ. وأستَعْذِبُ السّفَرَ الذي هوَ قِطعَةٌ من العَذابِ. فلمّا تطوّحْتُ الى مرْوَ. ولا غَرْوَ. بشّرَني بمَلقاهُ زجْرُ الطّيرِ. والفألُ الذي هوَ بَريدُ الخيرِ. فلمْ أزَلْ أنشُدُهُ في المحافِلِ. وعندَ تلَقّي القَوافِلِ. فلا أجِدُ عنْهُ مُخبِراً. ولا أرى لهُ أثَراً ولا عِثْيَراً. حتى غلَبَ اليأسُ الطّمَعَ. وانْزَوى التّأميلُ وانْقمَعَ. فإني لَذاتَ يومٍ بحضْرَةِ والي مرْوَ. وكانَ ممّنْ جمَعَ الفضْلَ والسَّرْوَ. إذ طلَعَ أبو زيْدٍ في خلَقٍ مِمْلاقٍ. وخُلُقٍ مَلاّقٍ. فحَيّا تحيّةَ المُحْتاجِ. إذا لقِيَ ربَّ التّاجِ. ثمّ قالَ لهُ: اعْلَمْ وُقيتَ الذّمّ. وكُفيتَ الهَمّ. أنّ مَنْ عُذِقَتْ بهِ الأعْمالُ. أُعْلِقَتْ بهِ الأمالُ. ومَنْ رُفِعَتْ لهُ الدّرَجاتُ. رُفِعَتْ إليْهِ الحاجاتُ. وأنّ السّعيدَ منْ إذا قدَرَ. وواتاهُ القدَرُ. أدّى زكاةَ النِّعَمِ. كما يؤدّي زكاةَ النَّعَمِ. والتزَمَ لأهْلِ الحُرَمِ. ما يُلتزَمُ للأهْلِ والحرَمِ. وقد أصبحْتَ بحمدِ اللهِ عَميدَ مِصرِكَ. وعِمادَ عصْرِكَ. تُزْجى الرّكائِبُ الى حرَمِكَ. وتُرْجى الرّغائِبُ منْ كرَمِكَ. وتُنزَلُ المَطالِبُ بساحَتِكَ. وتُستَنْزَلُ الرّاحةُ منْ راحَتِكَ. وكان فضلُ اللهِ عليْكَ عظيماً. وإحْسانُهُ لديْكَ عَميماً. ثمّ إني شيخٌ ترِبَ بعْدَ الإتْرابِ. وعدِمَ الإعْشابَ حينَ شابَ. قصَدْتُكَ منْ محَلّةٍ نازِحَةٍ. وحالَةٍ رازِحَةٍ. آمُلُ منْ بحرِكَ دُفعَةً. ومنْ جاهِكَ رِفعَةً. والتّأميلُ أفضَلُ وسائِلِ السائِلِ. ونائِلِ النّائِلِ. فأوْجِبْ لي ما يجِبُ عليْكَ. وأحسِنْ كما أحْسَنَ اللهُ إليْكَ. وإيّاكَ أن تلْويَ عِذارَكَ. عمَّنِ ازْدَراكَ. وأمَّ دارَكَ. أو تقبِضَ راحَكَ. عمّنِ امْتاحَكَ. وامْتارَ سَماحَكَ. فوَاللهِ ما مجَدَ مَنْ جمَدَ. ولا رشَدَ منْ حشَدَ. بلِ اللّبيبُ مَنْ إذا وجَدَ جادَ. وإنْ بَدأ بعائِدَةٍ عادَ. والكَريمُ منْ إذا استُوهِبَ الذّهَبَ. لمْ يهَبْ أنْ يهَبَ. ثمّ أمْسَكَ يرْقُبُ أُكُلَ غرْسِهِ. ويرْصُدُ مطيبَةَ نفْسِهِ. وأحَبَّ الوالي أنْ يعْلَمَ هلْ نُطفَتُهُ ثمَدٌ. أم لقَريحَتِهِ مدَدٌ. فأطْرَقَ يرَوّي في استيراء زَنْدِهِ. واستِشْفافِ فِرِنْدِهِ. والتَبَسَ على أبي زيدٍ سِرُّ صَمْتَتِهِ. وإرْجاءِ صِلَتِهِ. فتوَغّرَ غضَباً. وأنْشَدَ مُقتَضِباً:
لا تحقِرَنّ أبيْتَ الـلّـعـنَ ذا أدبٍ لأنْ بَدا خلَقَ السّرْبـالِ سُـروتـا
ولا تُضِعْ لأخي التّأميلِ حُرمـتَـهُ أكانَ ذا لسَنٍ أم كـان سِـكّـيتـا
وانفَحْ بعُرْفِكَ منْ وافاكَ مختَبطـاً وانعَشْ بغَوْثِكَ من ألفيتَ مَنكوتـا
فخَيرُ مالِ الفتى مـالٌ أشـادَ لـهُ ذِكْراً تناقَلَهُ الرُكبـانُ أو صِـيتـا
وما على المُشتَري حمْداً بمَوْهِـبَةٍ غبنٌ ولوْ كان ما أعْطاهُ ياقـوتـا
لوْلا المُروءةُ ضاقَ العُذْرُ عن فَطِنٍ إذا اشْرأبّ الى ما جاوَزَ القـوتـا
لكنّهُ لابْتِناء المـجْـدِ جـدّ ومِـنْ حُبّ السّماحِ ثنَى نحوَ العُلى لِيتـا
وما تنشّقَ نشْرَ الشّكْـرِ ذو كـرَمٍ إلا وأزْرى بنَشرِ المِسكِ مَفتـوتـا
والحمدُ والبخلُ لم يُقضَ اجتماعهما حتى لقَدْ خيلَ ذا ضَبّاً وذا حـوتَـا
والسّمحُ في الناسِ محبوبٌ خلائِقُهُ والجامدُ الكفّ ما ينْفَكّ ممْقـوتـا
وللشّحيحِ على أمْـوالِـهِ عـلَـلٌ يوسِعْنَهُ أبَـداً ذمّـاً وتـبْـكـيتـا
فجُدْ بما جمَعتْ كفّاكَ من نشَـبٍ حتى يُرَى مُجْتَدي جَدواكَ مَبهوتا
وخُذْ نصيبَكَ منـهُ قـبـلَ رائِعَةٍ من الزّمانِ تُريكَ العودَ منحوتـا
فالدّهْرُ أنكَدُ من أن تستَمـرّ بـهِ حالٌ تكرّهْتَ تلكَ الحالَ أم شيتا
فقال لهُ الوالي: تاللهِ لقدْ أحسَنْتَ. فأيُّ ولَدِ الرّجُلِ أنتَ? فنظَرَ إليْهِ عنْ عُرْضٍ. وأنشَدَ وهُوَ مُغْضٍ:
لا تسْألِ المرْءَ مَنْ أبوهُ ورُزْ خلالَهُ ثمّ صِلْهُ أو فاصْـرِمِ
فما يَشينُ السُّلافَ حينَ حَلا مَذاقُها كونُها ابنَةَ الحِصْرِمِ
قال: فقرّبَهُ الوالي لبَيانِهِ الفاتِنِ. حتى أحلّهُ مقْعَدَ الخاتِنِ. ثمّ فرَضَ له من سُيوبِ نيْلِهِ. ما آذنَ بطولِ ذَيلِهِ. وقِصَرِ لَيلِهِ. فنهَضَ عنْهُ برُدْنٍ مَلآنَ. وقلْبٍ جذْلانَ. وتبِعْتُهُ حاذِياً حَذْوَهُ. وقافِياً خَطْوَهُ. حتى إذا خرَجَ منْ بابِهِ. وفصَلَ عنْ غابِهِ. قُلتُ لهُ: هُنّئْتَ بِما أوتيتَ. ومُلّيتَ بِما أُوليتَ! فأسْفَرَ وجهُهُ وتَلالا. ووالى شُكْراً للهِ تَعالى. ثمّ خطَرَ اخْتِيالاً. وأنشدَ ارتِجالاً:
منْ يكُنْ نالَ بالحَماقَةِ حَظّـاً أو سَما قدرُهُ لِطيبِ الأصولِ
فبِفَضْلي انتَفَعْتُ لا بفُضولي وبقَوْلي ارتفَعْتُ لا بقُيولـي
ثم قال: تَعْساً لمَنْ جدَبَ الأدَبَ. وطوبى لمَنْ جدّ فيهِ ودأبَ! ثمّ ودّعَني وذهَبَ. وأوْدَعَني اللَّهَبَ.


عدل سابقا من قبل في الأربعاء يناير 16, 2008 5:10 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
khaled1212
عضو ماسي
عضو ماسي
khaled1212


ذكر
عدد الرسائل : 2380
السٌّمعَة : 1
نقاط : 60
تاريخ التسجيل : 05/10/2007

المقامة 41-42-43 الصعدية - المروية - العمانية Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقامة 41-42-43 الصعدية - المروية - العمانية   المقامة 41-42-43 الصعدية - المروية - العمانية I_icon_minitimeالأربعاء يناير 16, 2008 4:33 pm

المقامة العُمانيّة

حدّثَ الحارثُ بنُ همّامٍ قال: لهِجْتُ مُذْ اخْضَرّ إزاري. وبَقَلَ عِذاري. بأنْ أجوبَ البَراري. وعلى ظُهورِ المَهاري. أُنْجِدُ طَوْراً. وأسْلُكُ تارَةً غوْراً. حتى فلَيْتُ المَعالِمَ والمجاهِلَ. وبلَوْتُ المنازِلَ والمَناهِلَ. وأدْمَيْتُ السّنابِكَ والمَناسِمَ. وأنْضَيْتُ السّوابِقَ والرّواسِمَ. فلمّا ملِلْتُ الإصْحارَ. وقد سنَحَ لي أرَبٌ بصُحارَ. مِلْتُ الى اجْتيازِ التّيارِ. واختِيارِ الفُلْكِ السّيّارِ. فنقَلْتُ إليْهِ أساوِدي. واستَصْحَبْتُ زادي ومَزاوِدي. ثمّ ركِبْتُ فيهِ رُكوبَ حاذِرٍ ناذِرٍ. عاذِلٍ لنفْسِهِ عاذِرٍ. فلمّا شرَعْنا في القُلْعَةِ. ورفَعْنا الشُّرُعَ للسّرعَةِ. سمِعْنا منْ شاطئ المَرْسى. حينَ دَجا الليلُ وأغْسى. هاتِفاً يقول: يا أهْلَ ذا الفُلْكِ القَويمِ. المُزجّى في البحرِ العَظيمِ. بتقْديرِ العَزيزِ العليمِ. هل أدُلّكُمْ على تِجارَةٍ تُنجيكُمْ منْ عذابٍ أليمٍ? فقُلْنا لهُ: أقْبِسْنا نارَك أيها الدّليلُ. وأرشِدْنا كما يُرشِدُ الخَليلُ الخَليلَ. فقال: أتستَصْحِبونَ ابنَ سبيلٍ. زادُهُ في زَبيلٍ. وظِلّهُ غيرُ ثَقيلٍ. وما يَبغي سوى مَقيلٍ? فأجْمعْنا على الجُنوحِ إليْهِ. وأنْ لا نبْخَلَ بالماعونِ عليْهِ. فلمّا اسْتَوى على الفُلْكِ. قال: أعوذُ بمالِكِ المُلْكِ. منْ مسالِكِ الهُلْكِ! ثم قال: إنّا رُوِينا في الأخْبارِ. المنقولَةِ عنِ الأحْبارِ. أنّ اللهَ تَعالى ما أخذَ على الجُهّالِ أن يتعلّموا. حتى أخذَ على العُلَماء أنْ يعَلِّموا. وإنّ مَعي لَعوذَةً. عنِ الأنبِياء مأخوذَة. وعندي لكُمْ نَصيحةٌ. براهينُها صَحيحةٌ. وما وَسِعَني الكِتْمانُ. ولا مِنْ خيميَ الحِرْمانُ. فتَدَبّروا القوْلَ وتفهّموا. واعْمَلوا بما تُعلّمونَ وعلّموا. ثمّ صاحَ صيْحَةَ المُباهي. وقال: أتَدْرونَ ما هيَ? هيَ واللهِ حِرْزُ السّفْرِ. عندَ مسيرِهِمْ في البحْرِ. والجُنّةُ منَ الغَمّ. إذا جاشَ موْجُ اليَمّ. وبها استَعْصَمَ نوحٌ منَ الطّوفانِ. ونَجا ومَنْ معَهُ منَ الحَيوانِ. على ما صدَعَتْ بهِ آيُ القُرآنِ. ثمّ قرأ بعْضَ أساطيرَ تَلاها. وزخارِفَ جَلاها. وقال: ارْكَبوا فيها باسْمِ اللهِ مُجْراها ومُرْساها. ثمّ تنفّسَ تنفُّسَ المُغرَمينَ. أو عِبادِ اللهِ المُكرَمينَ. وقال: أمّا أنا فقدْ قُمتُ فيكُم مَقامَ المبلِّغينَ. ونصَحْتُ لكُمْ نُصْحَ المُبالِغينَ. وسلَكْتُ بكُمْ محَجّةَ الرّاشِدينَ. فاشْهَدِ اللهُمّ وأنتَ خيرُ الشاهِدينَ. قال الحارثُ بنُ همّامٍ: فأعْجَبَنا بيانُهُ البادي الطُّلاوَةِ. وعجّتْ لهُ أصواتُنا بالتّلاوَةِ. وآنَسَ قلبي منْ جرْسِهِ. معرِفَةَ عينِ شمْسِهِ. فقلْتُ لهُ: بالذي سخّرَ البحرَ اللُّجّيّ. ألسْتَ السَّروجيّ? فقال لي: بَلى. وهلْ يَخْفى ابنُ جَلا? فأحْمَدْتُ حينَئذٍ السّفَرَ. وسفَرْتُ عن نفْسي إذ سفَرَ. ولمْ نزَلْ نسيرُ والبحرُ رهْوٌ. والجوّ صحْوٌ. والعيشُ صَفوٌ. والزّمانُ لهْوٌ. وأنا أجِدُ للِقيانِهِ. وجْدَ المُثْري بعِقْيانِهِ. وأفرَحُ بمُناجاتِهِ. فرَحَ الغَريقِ بمَنْجاتِهِ. الى أن عصَفَتِ الجَنوبُ. وعسَفَتِ الجُنوبُ. ونسَيَ السّفْرُ ما كانَ. وجاءهُمُ الموْجُ منْ كلّ مَكانٍ. فمِلْنا لهذا الحدَثِ الثّائِرِ. الى إحْدى الجَزائِرِ. لنُريحَ ونستَريحَ. ريثَما تُؤاتي الرّيحُ. فتَمادَى اعْتِياصُ المَسيرِ. حتى نفِدَ الزّادُ غيرَ اليَسيرِ. فقال لي أبو زيدٍ: إنهُ لنْ يُحرَزَ جَنى العودِ بالقُعودِ. فهلْ لكَ في استِثارَةِ السّعودِ بالصّعودِ? فقلْتُ لهُ: إني لأتْبَعُ لكَ من ظِلّكَ. وأطْوَعُ منْ نعلِكَ. فنَهَدْنا الى الجَزيرَةِ. على ضُعْفِ المَريرَةِ. لنركُضَ في امتِراء المِيرَةِ. وكِلانا لا يملِكُ فَتيلاً. ولا يهتَدي فيها سَبيلاً. فأقْبَلْنا نَجوسُ خِلالَها. ونتفيّأُ ظِلالَها. حتى أفْضَيْنا الى قصرٍ مَشيدٍ. لهُ بابٌ منْ حَديدٍ. ودونَهُ زُمرةٌ من عَبيدٍ. فناسَمْناهُمْ لنتخِذَهُمْ سُلّماً الى الارتِقاء. وأرشِيَةً للاستِقاء. فألْفَيْنا كلاً منهُمْ كَئيباً حَسيراً. حتى خِلْناهُ كسيراً أو أسيراً. فقُلْنا: أيتُها الغِلْمَةُ. ما هَذي الغُمّةُ? فلمْ يُجيبوا النّداء. ولا فاهوا ببَيْضاء ولا سَوْداء. فلمّا رأيْنا نارَهُمْ نارَ الحُباحِبِ. وخُبرَهُمْ كسَرابِ
السّباسِبِ. قُلْنا: شاهَتِ الوجوهُ. وقبُحَ اللُّكَعُ ومَنْ يرْجوهُ! فابتَدَرَ خادِمٌ قد علَتْهُ كَبْرَةٌ. وعرَتْهُ عبْرَةٌ. وقال: يا قوْمُ لا توسِعونا سَبّاً. ولا توجِعونا عتْباً. فإنّا لَفي حُزنٍ شامِلٍ. وشُغْلٍ عنِ الحديثِ شاغِلٍ. فقالَ لهُ أبو زيدٍ: نفِّسْ خِناقَ البَثّ. وانْفِثْ إنْ قدَرْتَ على النّفْثِ. فإنّكَ ستجِدُ مني عَرّافاً كافِياً. ووَصّافاً شافِياً. فقالَ لهُ: اعْلَمْ أنّ ربّ هذا القصْرِ هوَ قُطْبُ هذِهِ البُقعَةِ. وشاهُ هذِهِ الرُقعَةِ. إلا أنّهُ لمْ يخْلُ منْ كمَدٍ. لخُلوّهِ من ولَدٍ. ولمْ يزَلْ يستَكْرِمُ المَغارِسَ. ويتخيّرُ منَ المَفارِشِ النّفائِسِ. الى أن بُشّرَ بحمْلِ عَقيلضةٍ. وآذَنَتْ رقْلَتُهُ بفَسيلَةٍ. فنُدِرَتْ له النّذورُ. وأُحصِيَتِ الأيامُ والشّهورُ. ولمّا حانَ النِّتاجُ. وصيغَ الطّوقُ والتّاجُ. عسُرَ مخاضُ الوضْعِ. حتى خِيفَ على الأصْلِ والفَرْعِ. فما فِينا مَنْ يعرِفُ قَراراً. ولا يطْعَمُ النّومَ إلا غِراراً. ثمّ أجْهَشَ بالبُكاء وأعْولَ. وردّدَ الاستِرْجاعَ وطوّلَ. فقال لهُ أبو زيدٍ: اسْكُنْ يا هَذا واستَبْشِرْ. وابْشِرْ بالفَرَجِ وبشّرْ! فعِندي عَزيمةُ الطّلْقِ. التي انتشَرَ سَمْعُها في الخَلْقِ. فتبادَرَتِ الغِلمَةُ الى موْلاهُمْ. مُتباشِرينَ بانكِشافِ بلْواهُمْ. فلمْ يكُنْ إلا كَلا ولا حتى برزَ مَنْ هلْمَمَ بِنا إلَيْهِ. فلما دخلْنا عليْهِ. ومثَلْنا بينَ يدَيْهِ. قال لأبي زيدٍ: ليَهْنِكَ مَنالُكَ. إنْ صدَقَ مقالُكَ. ولم يفِلْ فالُكَ. فاستَحضرَ قلَماً مبْرِيّاً. وزبَداً بحرِيّاً. وزَعفَراناً قد دِيفَ. في ماء ورْدٍ نظيفٍ. فما إنْ رجَعَ النفَسُ. حتى أُحضِرَ ما التَمَسَ. فسجَدَ أبو زيدٍ وعفّرَ. وسبّحَ واستَغْفرَ. وأبْعَدَ الحاضِرينَ ونفّرَ. ثمّ أخذَ القلمَ واسْحَنْفَرَ. وكتبَ على الزّبَدِ بالمُزَعْفَرِ:سّباسِبِ. قُلْنا: شاهَتِ الوجوهُ. وقبُحَ اللُّكَعُ ومَنْ يرْجوهُ! فابتَدَرَ خادِمٌ قد علَتْهُ كَبْرَةٌ. وعرَتْهُ عبْرَةٌ. وقال: يا قوْمُ لا توسِعونا سَبّاً. ولا توجِعونا عتْباً. فإنّا لَفي حُزنٍ شامِلٍ. وشُغْلٍ عنِ الحديثِ شاغِلٍ. فقالَ لهُ أبو زيدٍ: نفِّسْ خِناقَ البَثّ. وانْفِثْ إنْ قدَرْتَ على النّفْثِ. فإنّكَ ستجِدُ مني عَرّافاً كافِياً. ووَصّافاً شافِياً. فقالَ لهُ: اعْلَمْ أنّ ربّ هذا القصْرِ هوَ قُطْبُ هذِهِ البُقعَةِ. وشاهُ هذِهِ الرُقعَةِ. إلا أنّهُ لمْ يخْلُ منْ كمَدٍ. لخُلوّهِ من ولَدٍ. ولمْ يزَلْ يستَكْرِمُ المَغارِسَ. ويتخيّرُ منَ المَفارِشِ النّفائِسِ. الى أن بُشّرَ بحمْلِ عَقيلضةٍ. وآذَنَتْ رقْلَتُهُ بفَسيلَةٍ. فنُدِرَتْ له النّذورُ. وأُحصِيَتِ الأيامُ والشّهورُ. ولمّا حانَ النِّتاجُ. وصيغَ الطّوقُ والتّاجُ. عسُرَ مخاضُ الوضْعِ. حتى خِيفَ على الأصْلِ والفَرْعِ. فما فِينا مَنْ يعرِفُ قَراراً. ولا يطْعَمُ النّومَ إلا غِراراً. ثمّ أجْهَشَ بالبُكاء وأعْولَ. وردّدَ الاستِرْجاعَ وطوّلَ. فقال لهُ أبو زيدٍ: اسْكُنْ يا هَذا واستَبْشِرْ. وابْشِرْ بالفَرَجِ وبشّرْ! فعِندي عَزيمةُ الطّلْقِ. التي انتشَرَ سَمْعُها في الخَلْقِ. فتبادَرَتِ الغِلمَةُ الى موْلاهُمْ. مُتباشِرينَ بانكِشافِ بلْواهُمْ. فلمْ يكُنْ إلا كَلا ولا حتى برزَ مَنْ هلْمَمَ بِنا إلَيْهِ. فلما دخلْنا عليْهِ. ومثَلْنا بينَ يدَيْهِ. قال لأبي زيدٍ: ليَهْنِكَ مَنالُكَ. إنْ صدَقَ مقالُكَ. ولم يفِلْ فالُكَ. فاستَحضرَ قلَماً مبْرِيّاً. وزبَداً بحرِيّاً. وزَعفَراناً قد دِيفَ. في ماء ورْدٍ نظيفٍ. فما إنْ رجَعَ النفَسُ. حتى أُحضِرَ ما التَمَسَ. فسجَدَ أبو زيدٍ وعفّرَ. وسبّحَ واستَغْفرَ. وأبْعَدَ الحاضِرينَ ونفّرَ. ثمّ أخذَ القلمَ واسْحَنْفَرَ. وكتبَ على الزّبَدِ بالمُزَعْفَرِ:
أيّهَذا الجَنينُ إنـي نـصـيحٌ *** لكَ والنّصحُ منْ شُروطِ الدّينِ
أنتَ مُستَعْصِمٌ بكِـنّ كَـنـينٍ *** وقَرارٍ منَ السّكونِ مَـكـينِ
ما تَرى فيهِ ما يَروعُكُ منْ إل *** فٍ مُداجٍ ولا عـدوٍّ مُـبـينِ
فمتى ما برَزْتَ منهُ تـحـوّلْ *** تَ الى منزِلِ الأذى والهونِ

وتَراءى لكَ الشّقاءُ الذي تـلْ *** قَى فتَبْكي لهُ بدَمْعٍ هَـتـونِ
فاستَدِمْ عيشَكَ الرّغيدَ وحـاذِرْ *** أن تَبيعَ المَحقوقَ بالمظْنـونِ
واحتَرِسْ من مُخادِعٍ لك يرْقي *** كَ ليُلقيكَ في العذابِ المُهينِ
ولَعَمْري لقدْ نصَحْتُ ولكِـنْ *** كمْ نَصيحٍ مُشبَّهٍ بـظَـنـينِ
ثمّ إنهُ طمَسَ المكتوبَ على غَفلَةٍ. وتفَلَ عليْهِ مئَةَ تَفلَةٍ. وشدّ الزّبَدَ في خِرقَةِ حريرٍ. بعدَما ضمّخَها بعَبيرٍ. وأمرَ بتعْليقِها على فخْذِ الماخِضِ. وأنْ لا تعْلَقَ بها يدُ حائِضٍ. فلمْ يكُنْ إلا كذُواقِ شارِبٍ. أو فُواقِ حالِبٍ. حتى اندَلَقَ شخْصُ الولَدِ. لخصّيصَى الزَّبَدِ. بقُدرَةِ الواحِدِ الصّمَدِ. فامتلأ القصْرُ حُبوراً. واستُطيرَ عَميدُهُ وعَبيدُهُ سُروراً. وأحاطَتِ الجماعَةُ بأبي زيدٍ تُثْني عليْهِ. وتُقبّلُ يدَيْهِ. وتتبرّكُ بمِساسِ طِمْرَيْهِ. حتى خُيّلَ إليّ أنّهُ القَرَنيُّ أُوَيْسٌ. أوِ الأسَديُّ دُبَيسٌ. ثمّ انْثالَ عليْهِ منْ جَوائِزِ المُجازاةِ. ووصائِلِ الصّلاتِ. ما قيّضَ لهُ الغِنى. وبيّضَ وجْهَ المُنى. ولمْ يزَلْ ينْتابُهُ الدّخْلُ. مُذْ نُتِجَ السّخْلُ. الى أن أُعطِيَ البحْرُ الأمانَ. وتسنّى الإتْمامُ الى عُمانَ. فاكْتَفى أبو زيدٍ بالنِّحْلَةِ. وتأهّبَ للرّحلَةِ. فلمْ يسمَحِ الوالي بحرَكَتِهِ. بعْدَ تجرِبَةِ برَكَتِهِ. بلْ أوعَزَ بضَمّهِ الى حُزانَتِهِ. وأنْ تُطلَقَ يدُهُ في خِزانَتِهِ. قالَ الحارثُ بنُ همّامٍ: فلمّا رأيتُهُ قدْ مالَ. الى حيثُ يكتَسِبُ المالَ. أنْحَيْتُ علَيْهِ بالتّعْنيفِ. وهجّنْتُ لهُ مُفارَقَةَ المألَفِ والأليفِ. فقالَ إليْكَ عني. واسْمَعْ منّي:
لا تَصْبوَنّ الـى وطَـنْ *** فيهِ تُضامُ وتُمـتَـهَـنْ
وارْحَلْ عنِ الدّارِ التـي *** تُعْلي الوِهادَ على القُنَنْ
واهْرُبْ الى كِـنٍّ يَقـي *** ولوَ انّهُ حِضْنا حضَـنْ
وارْبأ بنَفسِكَ أنْ تُـقـي *** م بَحيثُ يغْشاكَ الـدَّرَنْ
وجُبِ الـبِـلادَ فـأيُّهـا *** أرْضاكَ فاخْتَرْهُ وطَـنْ
ودَعِ التّذكُّرَ لـلـمَـعـا *** هِدِ والحَنينَ الى السّكَـنْ
واعْلَمْ بأنّ الـحُـرّ فـي *** أوطانِهِ يَلْقَى الـغـبَـنْ
كالدُرّ في الأصْدافِ يُستزْ *** رى ويُبْخَسُ في الثّمَـنْ
ثمّ قال: حسبُكَ ما استَمَعْتَ. وحبّذا أنتَ لوِ اتّبَعْتَ! فأوْضَحْتُ لهُ مَعاذيري. وقلتُ لهُ: كُنْ عَذيري. فعذَرَ واعتَذَرَ. وزوّدَ حتى لم يذَرْ. ثمّ شيّعَني تشْييعَ الأقارِبِ. الى أنْ ركِبْتُ في القارِبِ. فودّعْتُهُ وأنا أشْكو الفِراقَ وأذُمّهُ. وأوَدُّ لوْ كانَ هلَكَ الجَنينُ وأمُّهُ.


عدل سابقا من قبل في الأربعاء يناير 16, 2008 5:12 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سيارات الشباب
مشرف
مشرف
سيارات الشباب


ذكر
عدد الرسائل : 1770
العمر : 25
الاوسمة : المقامة 41-42-43 الصعدية - المروية - العمانية Wesaam12
السٌّمعَة : 0
نقاط : 41
تاريخ التسجيل : 09/10/2007

المقامة 41-42-43 الصعدية - المروية - العمانية Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقامة 41-42-43 الصعدية - المروية - العمانية   المقامة 41-42-43 الصعدية - المروية - العمانية I_icon_minitimeالإثنين أبريل 14, 2008 11:57 am

شكرا على المشاركة
الجميلة والرائعة

تحياتي

سيارات الشباب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://thaqafa.yoo7.com
ابو حسين
مشرف
مشرف
ابو حسين


عدد الرسائل : 2613
الاوسمة : المقامة 41-42-43 الصعدية - المروية - العمانية Mosamem
السٌّمعَة : 0
نقاط : 9
تاريخ التسجيل : 09/10/2007

المقامة 41-42-43 الصعدية - المروية - العمانية Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقامة 41-42-43 الصعدية - المروية - العمانية   المقامة 41-42-43 الصعدية - المروية - العمانية I_icon_minitimeالإثنين يوليو 07, 2008 2:01 pm

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكراعلى الموضيع الجديدة والرائعة

مع تحيات

ابو حسين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المقامة 41-42-43 الصعدية - المروية - العمانية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتدى الادبي :: لغتنا العربية-
انتقل الى: