هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالقرآن الكريم البوابةأحدث الصورالتسجيلالتحميل شات ثقافة دخول

 

 المقامة 44- 45-46-النجرانية - البكرية - الشتوية

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
khaled1212
عضو ماسي
عضو ماسي
khaled1212


ذكر
عدد الرسائل : 2380
السٌّمعَة : 1
نقاط : 60
تاريخ التسجيل : 05/10/2007

المقامة 44- 45-46-النجرانية - البكرية - الشتوية Empty
مُساهمةموضوع: المقامة 44- 45-46-النجرانية - البكرية - الشتوية   المقامة 44- 45-46-النجرانية - البكرية - الشتوية I_icon_minitimeالأربعاء يناير 16, 2008 4:37 pm

المقامة النَّجرانِيّة

حكى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: تَرامتْ بي مَرامي النّوى. ومسَاري الهَوى. الى أن صِرْتُ ابنَ كُلّ تُربَةٍ. وأخا كُلّ غُربةٍ. إلا أني لمْ أكُنْ أقطَعُ وادِياً. ولا أشهَدُ نادِياً. إلا لاقْتِباسِ الأدَبِ المُسْلي عنِ الأشْجانِ. المُغْلي قيمَةَ الإنسانِ. حتى عُرِفَتْ لي هذه الشِّنْشِنَةُ. وتناقلَتْها عني الألسنَةُ. وصارتْ أعْلَقَ بي منَ الهوى ببَني عُذْرَةَ. والشّجاعَةِ بآلِ أبي صُفرَةَ. فلمّا ألْقَيتُ الجِرانَ بنَجْرانَ. واصطَفَيتُ بها الخُلاّنَ والجيرانَ. تخِذْتُ أندِيَتَها مُعتَمَري. وموسِمَ فُكاهَتي وسمَري. فكنْتُ أتعَهّدُها صَباحَ مساء. وأظهَرُ فيها على ما سرّ وساء. فبَينَما أنا في نادٍ محْشودٍ. ومحْفِلٍ مشْهودٍ. إذ جثَمَ لدَيْنا هِمٌّ. علَيهِ هِدْمٌ. فحَيّا تحيّةَ ملِقٍ. بلِسانٍ ذلِقٍ. ثمّ قال: يا بُدورَ المَحافِلِ. وبحورَ النّوافِلِ. قد بيّنَ الصّبْحُ لِذي عيْنَينِ. ونابَ العِيانُ مَنابَ عدْلَينِ. فماذا تَروْنَ. في ما ترَوْنَ? أتُحسِنونَ العَوْنَ. أم تنأوْنَ. إذْ تُدعَوْنَ? فقالوا: تاللهِ لقَدْ غِظْتَ. ورُمْتَ أن تُنبِطَ فغِضْتَ. فناشَدَهُمُ اللهَ عمّاذا صدّهُمْ. حتى استَوجَبَ ردَّهُمْ. فقالوا: كنّا نتَناضَلُ بالألْغازِ. كما يُتَناضَلُ يومَ البِرازِ. فما تمالَكَ أن شعّثَ منَ المَنْضولِ. وألْحَقَ هذا الفضْلَ بنمَطِ الفُضولِ. فلَسَنَتْهُ لُسْنُ القوْمِ. ووَخَزوهُ بأسنّةِ اللّوْمِ. وأخذَ هوَ يتنصّلُ من هَفوَتِهِ. ويتندّمُ على فَوْهَتِهِ. وهُمْ مُضِبّونَ على مؤاخذَتِهِ. ومُلَبّونَ داعيَ مُنابَذَتِهِ. الى أن قالَ لهُمْ: يا قومِ إنّ الاحتِمالَ منْ كرَمِ الطّبْعِ. فعَدّوا عنِ اللّذْعِ والقَذْعِ. ثمّ هلُمّ الى أن نُلغِزَ. ونُحكّمَ المُبرِّزَ. فسكنَ عندَ ذلِك توقُّدُهُمْ. وانحَلّتْ عُقدُهمْ. ورَضوا بما شرَطَ عليهِمْ ولَهُمْ. واقتَرَحوا أنْ يكونَ أوّلَهُمْ. فأمْسكَ ريْثَما يُعقَدُ شِسْعٌ. أو يُشَدّ نِسْعٌ. ثمّ قال: اسمَعوا وُقيتُمُ الطّيشَ. ومُلّيتُمُ العيْشَ. وأنشدَ مُلغِزاً في مِروَحَةِ الخيْش:
وجارِيَةٍ في سيرِها مُشـمَـعِـلّةٍ *** ولكِنْ على إثْرِ المَسيرِ قُفولُهـا
لها سائِقٌ من جِنسِها يستَحثّـهـا *** على أنهُ في الإحتِثاثِ رَسيلُهـا
تُرى في أوانِ القَيظِ تنظُفُ بالنّدى *** ويَبدو إذا ولّى المَصيفُ قُحولُها
ثمّ قال: وهاكُمْ يا أولي الفضْلِ. ومَراكِزَ العقْلِ. وأنشَدَ مُلغِزاً في حابولِ النّخْلِ:
ومُنتَسِـبٍ الـى أمٍّ *** تَنَشّا أصْلُهُ منْهـا
يعانِقُها وقد كانـتْ *** نفَتْهُ بُرهَةً عنْهـا
بهِ يتوصّلُ الجانـي *** ولا يُلْحى ولا يُنْهى
ثمّ قال: ودونَكُمُ الخَفيّةَ العلَمِ. المُعتَكِرَةَ الظُلَمِ. وأنشدَ مُلغِزاً في القلَمِ:
ومأمومٍ بهِ عُـرِفَ الإمـامُ *** كما باهَتْ بصُحْبَتِهِ الكِرامُ
لهُ إذ يرتَوي طَيْشانُ صـادٍ *** ويسكُنُ حينَ يعْروهُ الأُوامُ
ويُذْري حين يُستَسْعى دُموعاً *** يرُقْنَ كما يروقُ الإبتِسـامُ
ثمّ قال: وعلَيْكُمْ بالواضِحَةِ الدّليلِ. الفاضِحَةِ ما قيلَ. وأنشدَ مُلغِزاً في المِيلِ:
وما ناكِحٌ أُختَينِ جَهْـراً وخُـفـيَةً *** وليسَ عليهِ في النّكـاحِ سَـبـيلُ
متى يغْشَ هذي يغْشَ في الحالِ هذه *** وإنْ مالَ بعْلٌ لـمْ تـجِـدْهُ يَمـيلُ
يَزيدُهُما عندَ المَشـيبِ تـعـهّـداً *** وبِرّاً وهذا في البُـعـولِ قَـلـيلُ
ثم قال: وهذِهِ يا أولي الألْبابِ. مِعْيارُ الآدابِ. وأنشَد مُلغِزاً في الدّولابِ:
وجافٍ وهْوَ موْصولٌ *** وَصولٌ ليسَ بالجافي
غَريقٌ بارِزٌ فاعْجَـبْ *** لهُ منْ راسِبٍ طافِ
يسُحّ دُموعَ مهْضـومٍ *** ويهْضِمُ هَضْمَ مِتْلافِ
وتُخْشى منهُ حِـدّتُـهُ *** ولكِنْ قلبُـهُ صـافِ

قال: فلمّا رشَقَ. بالخَمْسِ التي نسَقَ. قال: يا قوْمِ تدَبّروا هذهِ الخمْسَ. واعْقِدوا عليْها الخَمْسَ. ثمّ رأيَكُمْ وضَمّ الذّيلِ. أوِ الازدِيادَ منْ هَذا الكَيْلِ! قال: فاستَفزّتِ القوْمَ شهوَةُ الزّيادَةِ. على ما أُشرِبوا منَ البَلادَةِ. فقالوا لهُ: إنّ وُقوفَنا دونَ حدّكَ. ليُفْحِمُنا عنِ استِيراء زنْدِكَ. واستِشْفافِ فِرِنْدِكَ. فإنْ أتْمَمتَ عشْراً فمِنْ عِندِكَ. فاهتزّ اهتِزازَ منْ فلَجَ سهمُهُ. وانخَزَلَ خصْمُهُ. ثمّ افتَتَح النُطْقَ بالبَسمَلَةِ. وأنشدَ مُلغِزاً في المُزَمَّلَةِ:
ومَسْرورَةٍ مَغمومَةٍ طولَ دهـرِهـا *** وما هيَ تدري ما السُرورُ ولا الغَـمُّ
تُقرَّبُ أحـيانـاً لأجْـلِ جَـنـينِـهـا *** وكـمْ ولـدٍ لـوْلاهُ طُـلّـقَـتِ الأمُّ
وتُبعَدُ أحياناً ومـا حـالَ عـهـدُهـا *** وإبعادُ من لم يَستَحِلْ عهـدُه ظُـلـمُ
إذا قَصُرَ الليلُ استُـلِـذّ وصـالُـهـا *** وإن طالَ فالإعراضُ عن وصْلِها غُنمُ
لها ملـبَـسٌ بـادٍ أنـيقٌ مـبَـطَّـنٌ *** بما يُزْدَرى لكنْ لِما يُزْدرى الحُـكـمُ
ثم كشَرَ عن أنيابِهِ الصُفْرِ. وأنشَدَ مُلغِزاً في الظُفْرِ:
ومرهوبِ الشَّـبـا نـامٍ *** وما يرْعى ولا يشـرَبْ
يُرى في العَشْرِ دونَ النّحْ *** رِ فاسمَعْ وصفَهُ واعْجَبْ
ثم تخازرَ تخازُرَ العِفْريتِ. وأنشَدَ مُلغِزاً في طاقَةِ الكِبريتِ:
وما مَحْقورَةٌ تُدْنى وتُقْصى *** وما منْها إذا فكّـرْتَ بُـدُّ
لها رأسانِ مُشتَبِهانِ جِـداً *** وكُلٌ منهُما لأخـيهِ ضِـدُّ
تعذَّبُ إن هُما خُضِبا وتُلغى *** إذا عَدِما الخِضابَ ولا تُعَدّ
ثمّ تخمّطَ تخمُّطَ القَرْمِ. وأنشدَ في حلَبِ الكَرْمِ:
وما شيءٌ إذا فسَـدا *** تحوّلَ غـيُّهُ رشَـدا
وإنْ هوَ راقَ أوصافاً *** أثارَ الشرّ حيثُ بَدا
زَكيُّ العِرقِ والِـدُهُ *** ولكِنْ بِئْسَ ما ولَـدا
ثمّ اعتَضَدَ عَصا التَّسيارِ. وأنشَدَ مُلغِزاً في الطيّارِ:
وذي طَيشَةٍ شِـقُّـهُ مـائِلٌ *** وما عابَهُ بهِمـا عـاقِـلُ
يُرى أبـداً فـوقَ عِـلّـيّةٍ *** كما يعْتَلي المَلِكُ العـادِلُ
تساوَى لدَيْهِ الحَصا والنُّضارُ *** وما يستَوي الحقُّ والباطلُ
وأعْجَبُ أوصافِهِ إنْ نظرْتَ *** كما ينظُرُ الكَيّسُ الفاضِـلُ
تَراضي الخُصومِ بهِ حاكِماً *** وقدْ عرَفـوا أنّـهُ مـائِلُ
قال: فظلّتِ الأفكارُ تَهيمُ في أوديةِ الأوْهامِ. وتَجولُ جوَلانَ المُستَهامِ. الى أن طالَ الأمَدُ. وحصْحَصَ الكمَدُ. فلمّا رآهُمْ يزنِدونَ ولا سَنا. ويقْضونَ النّهارَ بالمُنى. قال: يا قومِ إلامَ تنظُرونَ. وحتّامَ تُنظَرونَ? ألَمْ يأنِ لكُمُ استِخْراجُ الخَبيّ. أو استِسلامُ الغَبيّ? فقالوا: تاللهِ لقدْ أعْوَصْتَ. ونصَبْتَ الشَّرَكَ فقنَصْتَ. فتحَكّمْ كيفَ شيتَ. وحُزِ الغُنْمَ والصّيتَ. ففرَضَ عنْ كلّ مُعَمًى فرْضاً. واستخلَصَهُ منهُمْ نَضّاً. ثمّ فتَح الأقفالَ. ورسمَ الأغْفالَ. وحاولَ الإجْفالَ. فاعتلَقَ بهِ مِدرَهُ القومِ. وقال لهُ: لا لُبسَةَ بعْدَ اليومِ. فاستَنْسِبْ قبلَ الانطِلاقِ. وهَبْها مُتعَةَ الطّلاقِ. فأطْرَقَ حتى قُلْنا مُريبٌ. ثمّ أنشَدَ والدمعُ مُجيبٌ:
سَروجُ مطْلِعُ شمْسي *** وربْعُ لَهْوي وأُنسـي
لكِنْ حُرِمْتُ نَعيمـي *** بها ولَذةَ نـفْـسـي
واعْتَضْتُ عنها اغْتِراباً *** أمَرَّ يومي وأمْسـي
ما لي مقَـرٌّ بـأرضٍ *** ولا قَرارٌ لعَنْـسـيْ
يوماً بنَـجـدٍ ويوْمـاً *** بالشّأمِ أُضْحي وأُمسي
أُزْجي الزّمانَ بقـوتٍ *** منغّصٍ مُستَـخَـسّ
ولا أبـيتُ وعـنـدي *** فلْسٌ ومَنْ لي بفَلْـسِ
ومنْ يعِشْ مثلَ عيشي *** باعَ الحياةَ ببـخْـسِ

ثم إنّهُ اخْتَبَن خُلاصَةَ النّضّ. وندرَ ضارِباً في الأرضِ. فناشدْناهُ أن يعودَ. وأسْنَيْنا لهُ الوعودَ. فلا وأبيكَ ما رجعَ. ولا التّرغيبُ لهُ نجعَ.


عدل سابقا من قبل في الأربعاء يناير 16, 2008 5:16 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
khaled1212
عضو ماسي
عضو ماسي
khaled1212


ذكر
عدد الرسائل : 2380
السٌّمعَة : 1
نقاط : 60
تاريخ التسجيل : 05/10/2007

المقامة 44- 45-46-النجرانية - البكرية - الشتوية Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقامة 44- 45-46-النجرانية - البكرية - الشتوية   المقامة 44- 45-46-النجرانية - البكرية - الشتوية I_icon_minitimeالأربعاء يناير 16, 2008 4:38 pm

المقامة البَكرِيّة

حكى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: هَفا بيَ البينُ المطَوِّحُ. والسيرُ المبرِّحُ. الى أرضٍ يضِلّ بها الخِرّيتُ. وتفْرَقُ فيها المصاليتُ. فوجَدتُ ما يجِدُ الحائِرُ الوحيدُ. ورأيتُ ما كُنتُ منه أحيدُ. إلا أني شجّعْتُ قلْبيَ المَزْؤودَ. ونسأتُ نِضْوِيَ المجْهودَ. وسِرْتُ سيرَ الضّارِبِ بقِدْحَينِ. المُستَسلِمِ للحَينِ. ولمْ أزَلْ بينَ وخْدٍ وذَميلٍ. وإجازَةِ مِيلٍ بعْدَ ميلٍ. الى أن كادَتِ الشمْسُ تجِبُ. والضّياءُ يحتجِبُ. فارْتَعْتُ لإظْلالِ الظّلامِ. واقتِحامِ جَيشِ حامٍ. ولمْ أدْرِ أأكْفِتُ الذّيلَ وأرتبِطُ. أم أعتَمِدُ اللّيلَ وأختَبِطُ? وبيْنا أنا أقلّبُ العزْمَ. وأمتَخِضُ الحزْمَ. تَراءى لي شبَحُ جمَلٍ. مُستَذْرٍ بجبَلٍ. فترَجّيتُهُ قُعْدَةَ مُريحٍ. وقصدْتُهُ قصْدَ مُشيحٍ. فإذا الظّنّ كَهانَةٌ. والقُعدَةُ عَيرانَةٌ. والمُريحُ قدِ ازْدَمَلَ ببِجادِهِ. واكتَحَلَ برُقادِه. فجلَسْتُ عندَ راسِهِ. حتى هبّ من نُعاسِهِ. فلمّا ازْدَهَرَ سِراجاهُ. وأحَسّ بمَنْ فاجاهُ. نفَرَ كما ينفِرُ المُريبُ. وقال: أخوكَ أمِ الذّيبُ? فقلتُ: بلْ خابِطُ ليْلٍ ضَلّ المسلَكَ. فأضِئْ أقْدَحْ لكَ. فقال: ليَسْرُ عنكَ همُّكَ. فرُبّ أخٍ لكَ لمْ تلِدْهُ أمُكَ. فانْسرَى عندَ ذلِكَ إشْفاقي. وسرَى الوسَنُ الى آماقي. فقال: عندَ الصّباحِ يحْمَدُ القومُ السُّرى. فهلْ تَرى كما أرى? فقلتُ: إني لكَ لأطْوَعُ منْ حِذائِكَ. وأوْفَقُ من غِذائِكَ. فصَدَعَ بمحبّتي. وبخْبَخَ بصُحْبَتي. ثمّ احتَمَلْنا مُجِدَّينِ. وارتَحلْنا مُدلِجَيْنِ. ولمْ نزَلْ نُعاني السُّرى. ونُعاصي الكَرى. الى أنْ بلغَ الليلُ غايتَهُ. ورفَعَ الفجْرُ رايتَهُ. فلمّا أسْفرَ الفاضِحُ. ولمْ يبْقَ إلا واضِحٌ. توسّمتُ رفيقَ رِحلَتي. وسَميرَ لَيلَتي. فإذا هوَ أبو زيدٍ مطلَبُ النّاشِدِ. ومَعلَمُ الرّاشِدِ. فتهادَيْنا تحيّةَ المُحبّينِ. إذا التَقَينا بعْدَ البيْنِ. ثمّ تباثَثْنا الأسْرارَ. وتناثَثْنا الأخْبارَ. وبَعيري ينحِطُ منَ الكِلالِ. وراحِلَتُهُ تزِفُّ زَفيفَ الرّالِ. فأعْجَبَني اشْتِدادُ أمرِها. وامتِدادُ صبرِها. فأخَذْتُ أستَشِفُّ جوهرَها. وأسألُهُ منْ أين تخيّرَها. فقال: إنّ لهذِهِ النّاقَةِ. خبَراً حُلْوَ المَذاقَةِ. مليحَ السّياقَةِ. فإنْ أحببْتَ استِماعَهُ فأنِخْ. وإنْ لمْ تشأ فلا تُصِخْ. فأنَخْتُ لقولِه نِضْوي. وأهدَفْتُ السّمْعَ لما يَروي. فقال: اعْلَمْ أني استَعرَضْتُها بحَضْرَمَوْتَ. وكابدْتُ في تحصيلِها الموْتَ. وم زِلتُ أجوبُ علَيها البُلدانَ. وأطِسُ بأخفافِها الظِّرّانَ. الى أنْ وجدْتُها عُبْرَ أسفارٍ. وعُدَّةَ قرارٍ. لا يلحَقُها العَناءُ. ولا تُواهِقُها وجْناءُ. ولا تدْري ما الهِناءُ. فأرْصَدتُها للخَيرِ والشرّ. وأحلَلْتُها محَلَّ البَرّ السَّرّ. فاتّفَقَ أن ندّتْ مُذْ مُدةٍ. وما لي سِواها قُعدَةٌ. فاستشْعَرْتُ الأسَفَ. واستَشرفْتُ التّلَفَ. ونسيتُ كُلّ رُزْءٍ سلَفَ. ثمّ أخذْتُ في استِقْراء المَسالِكِ. وتفقُّدِ المسارِحِ والمَبارِكِ. وأنا لا أستَنْشي منها ريحاً. ولا أستَغْشي يأساً مُريحاً. وكلّما ادّكَرْتُ مضاءها في السيرِ. وانبِراءها لمُباراةِ الطّيرِ. لاعَني الادّكارُ. واستَهوَتْني الأفكارُ. فبَينَما أنا في حِواء بعضِ الأحْياءِ إذْ سمِعْتُ منْ شخْصٍ متبَعِّدٍ. وصوْتٍ متجرِّدٍ: منْ ضَلّتْ لهُ مطيّةٌ. حضرَميّةٌ وطِيّةٌ. جِلدُها قد وُسِمَ. وعَرُّها قد حُسِمَ. وزِمامُها قد ضُفِرَ. وظهرُها كأنْ قد كُسِرَ ثم جُبِرَ. تَزينُ الماشيَةَ. وتُعينُ النّاشيَةَ. وتقطَعُ المَسافَةَ النّائِيَةَ. وتظَلّ أبداً لكَ مُدانِيةً. لا يعتَوِرُها الوَنى. ولا يعترِضُها الوَجى. ولا تُحْوِجُ الى العَصا. ولا تَعْصي في مَنْ عصى. قال أبو زيدٍ: فجذَبَني الصوتُ الى الصّائِتِ. وبشّرَني بدرَكِ الفائِتِ. فلمّا أفْضَيْتُ إليْهِ. وسلّمْتُ علَيْهِ. قلتُ لهُ: سلّمِ المطيّةَ. وتسلّمِ العطيّةَ. فقال: وما مطِيّتُكَ. غُفِرَتْ خطِيّتُكَ? قلت له: ناقَةٌ جُثّتُها كالهَضْبَةِ. وذِروَتُه كالقُبّةِ. وجلَبُها مِلْءُ العُلبَةِ. وكنتُ أُعطيتُ بها عِشرينَ. إذ حللْتُ يَبرينَ. فاستَزَدْتُ الذي أعطى. ودريْتُ أنهُ أخْطا. قال: فأعْرَضَ عني حينَ سمِعَ صِفَتي.

وقال: لستَ بصاحِبِ لُقطَتي! فأخَذْتُ بتَلابيبِهِ. وأصرَرْتُ على تكذيبِهِ. وهمَمْتُ بتمزيقِ جَلابيبِهِ. وهوَ يقول: يا هذا ما مطيّتي بطِلْبِكَ. فاكْفُفْ عني منْ غَربِكَ. وعدّ عنْ سبّكَ. وإلا فقاضِني الى حَكَمِ هذا الحيّ. البَريء من الغَيّ. فإنْ أوجبَها لكَ فتسلّمْ. وإن زَواها عنْكَ فلا تتكلّمْ. فلمْ أرَ دَواءَ قِصّتي. ولا مَساغَ غُصّتي. إلا أنْ آتيَ الحكَمَ. ولوْ لكَمَ. فانْخَرَطْنا الى شيخٍ رَكينِ النِّصْبَةِ. أنيقِ العِصْبَةِ. يؤنَسُ منهُ سُكونُ الطائِرِ. وأنْ ليسَ بالجائرِ. فاندَرأتُ أتظلّمُ وأتألّمُ. وصاحبي مُرِمٌّ لا يترَمْرَمُ. حتى إذا نثلْتُ كِنانَتي. وقضَيْتُ من القَصَصِ لُبانَتي. أبرَزَ نعْلاً رَزينَةَ الوزْنِ. مَحْذوّةً لمسلَكِ الحَزْنِ. وقال: هذهِ التي عرّفْتُ. وإياها وصَفْتُ. فإنْ كانتْ هي التي أُعطِيَ بها عِشرينَ. وها هوَ من المُبصِرينَ. فقدْ كذَبَ في دعْواهُ. وكبُرَ ما افتَراهُ. اللهُمّ إلا أنْ يَمُدّ قَذالَهُ. ويُبَيّنَ مِصداقَ ما قالَهُ. فقالَ الحكَمُ: اللهُمّ غَفْراً. وجعلَ يقلّبُ النّعْلَ بطْناً وظهْراً. ثمّ قال: أما هذِهِ النّعلُ فنَعْلي. وأما مطِيّتُكَ ففي رحْلي. فانهَضْ لتسَلُّمِ ناقتِك. وافعَلِ الخيرَ بحسَبِ طاقَتِكَ. فقُمْتُ وقلت: لستَ بصاحِبِ لُقطَتي! فأخَذْتُ بتَلابيبِهِ. وأصرَرْتُ على تكذيبِهِ. وهمَمْتُ بتمزيقِ جَلابيبِهِ. وهوَ يقول: يا هذا ما مطيّتي بطِلْبِكَ. فاكْفُفْ عني منْ غَربِكَ. وعدّ عنْ سبّكَ. وإلا فقاضِني الى حَكَمِ هذا الحيّ. البَريء من الغَيّ. فإنْ أوجبَها لكَ فتسلّمْ. وإن زَواها عنْكَ فلا تتكلّمْ. فلمْ أرَ دَواءَ قِصّتي. ولا مَساغَ غُصّتي. إلا أنْ آتيَ الحكَمَ. ولوْ لكَمَ. فانْخَرَطْنا الى شيخٍ رَكينِ النِّصْبَةِ. أنيقِ العِصْبَةِ. يؤنَسُ منهُ سُكونُ الطائِرِ. وأنْ ليسَ بالجائرِ. فاندَرأتُ أتظلّمُ وأتألّمُ. وصاحبي مُرِمٌّ لا يترَمْرَمُ. حتى إذا نثلْتُ كِنانَتي. وقضَيْتُ من القَصَصِ لُبانَتي. أبرَزَ نعْلاً رَزينَةَ الوزْنِ. مَحْذوّةً لمسلَكِ الحَزْنِ. وقال: هذهِ التي عرّفْتُ. وإياها وصَفْتُ. فإنْ كانتْ هي التي أُعطِيَ بها عِشرينَ. وها هوَ من المُبصِرينَ. فقدْ كذَبَ في دعْواهُ. وكبُرَ ما افتَراهُ. اللهُمّ إلا أنْ يَمُدّ قَذالَهُ. ويُبَيّنَ مِصداقَ ما قالَهُ. فقالَ الحكَمُ: اللهُمّ غَفْراً. وجعلَ يقلّبُ النّعْلَ بطْناً وظهْراً. ثمّ قال: أما هذِهِ النّعلُ فنَعْلي. وأما مطِيّتُكَ ففي رحْلي. فانهَضْ لتسَلُّمِ ناقتِك. وافعَلِ الخيرَ بحسَبِ طاقَتِكَ. فقُمْتُ وقلت:
أُقسِمُ بالبيتِ العَتيقِ ذي الحُـرَمْ *** والطائِفينَ العاكِفينَ في الحَـرَمْ
إنّك نِعْمَ مـنْ إلـيْهِ يُحـتـكَـمْ *** وخيرُ قاضٍ في الأعاريبِ حكَمْ
فاسلَمْ ودُمْ دوْمَ النّعامِ والنَّعَـمْ ***
فأجابَ من غيرِ رويّةٍ. ولا عَقْدِ نيّةٍ. وقال:
جُزيتَ عن شُكرِكَ خيراً يا ابنَ عمْ *** إذ لستُ أستَوجبُ شكراً يُلـتَـزَمْ
شرُّ الأنامِ منْ إذا استُقْضي ظلـمْ *** ثمّ مَنِ استُرْعي فلمْ يرْعَ الحُـرَمْ
فذانِ والكَلْبُ سَواءٌ في الـفِـيَمْ ***

ثمّ إنهُ نفّذَ بينَ يدَيّ. منْ سلّم النّاقَةَ إليّ. ولمْ يمْتَنّ عليّ. فرُحْتُ نَجيحَ الأرَبِ. أجُرّ ذيْلَ الطّرَبِ. وأقولُ: يا لَلْعَجَبِ! قال الحارثُ بنُ همّامٍ: فقلتُ لهُ تاللهِ لقدْ أطْرَفْتَ. وهرَفْتَ بما عرَفْتَ. فناشَدتُكَ اللهَ هلْ ألفَيْتَ أسْحَرَ منكَ بلاغَةً. وأحسَنَ للّفْظِ صِياغَةً? فقال: اللهُمّ نعَمْ. فاستَمِعْ وانْعَمْ. كُنتُ عزَمْتُ. حين أتْهَمْتُ. على أن أتّخِذَ ظَعينَةً. لتكونَ لي مُعينَةً. فحينَ تعيّنَ الخِطْبُ المُلِبّ. وكادَ الأمرُ يستَتِبّ. أفْكَرْتُ فكْرَ المتحرِّزِ منَ الوهْمِ. المتأمِّلِ كيفَ مَسقِطُ السّهْمِ. وبِتُّ ليلَتي أُناجي القلْبَ المعذَّبَ. وأقلّبُ العزْمَ المُذَبذَبَ. الى أن أجمَعْت على أن أُسْحِرَ. وأُشاوِرَ أوّلَ منْ أُبصِرُ. فلمّا قوّضَتِ الظُّلمَةُ أطْنابَها. وولّتِ الشُّهُبُ أذْنابَها. غدَوْتُ غُدُوَّ المتعرِّفِ. وابتكرْتُ ابتِكارَ المتعيِّفِ. فانْبَرى لي يافِعٌ. في وجْهِهِ شافِعٌ. فتيمّنْتُ بمنظَرِهِ البَهيجِ. واستَقْدَحْتُ رأيَهُ في التّرويجِ. فقال: أوَتبْغيها غَواناً. أم بِكْراً تُعانى? فقلتُ: اختَرْ لي ما تَرى. فقدْ ألْقَيتُ إليكَ العُرى. فقال: إليّ التّبيينُ. وعليْكَ التّعيينُ. فاسمَعْ أنا أفْديكَ. بعْدَ دفْنِ أعاديكَ. أما البِكرُ فالدُرّةُ المخزونَةُ. والبَيضَةُ المَكنونَةُ. والباكورَةُ الجَنِيّةُ. والسُلافَةُ الهَنيّةُ. والروْضَةُ الأُنُفُ. والطّوْقُ الذي ثمُنَ وشرُفَ. لمْ يُدَنّسْها لامِسٌ. ولا تسَغْشاها لابِسٌ. ولا مارسَها عابِثٌ. ولا وكَسَها طامِثٌ. ولها الوجهُ الحَييّ. والطّرْفُ الخفيّ. واللّسانُ العَيِيّ. والقلْبُ النّقيّ. ثمّ هيَ الدُمْيَةُ المُلاعِبَةُ. واللّعْبَةُ المُداعِبَةُ. والغَزالَةُ المُغازِلَةُ. والمُلْحَةُ الكامِلَةُ. والوِشاحُ الطاهرُ القَشيبُ. والضّجيعُ الذي يُشِبُّ ولا يُشيبُ. وأما الثّيّبُ فالمَطيّةُ المذَلّلَةُ. واللُّهْنَةُ المعَجّلَةُ. والبِغْيَةُ المُسهَّلَةُ. والطّبّةُ المُعلِّلَةُ. والقَرينةُ المتحبِّبَةُ. والخَليلَةُ المتقرِّبَةُ. والصَّناعُ المدَبِّرَةُ. والفَطْنَةُ المختَبِرَةُ. ثمّ إنّها عُجالَةُ الرّاكِبِ. وأُنشوطَةُ الخاطِبِ. وقُعدَةُ العاجِزِ. ونُهْزَةُ المُبارِزِ. عريكَتُها لَيّنَةٌ. وعُقلَتُها هيّنَةٌ. ودِخلَتُها متَبيِّنَةٌ. وخِدمَتُها مزيِّنَةٌ. وأقسِمُ لقد صدَقْتُ في النّعتَينِ. وجلَوْتُ المَهاتَينِ. فبأيّتِهِما هامَ قلبُكَ? قال أبو زيد: فرأيتُهُ جندَلَةً يتّقيها المُراجِمُ. وتُدمى منها المَحاجِمُ. إلا أني قلتُ له: كُنتُ سمعتُ أن البِكْرَ أشَدُّ حُبّاً. وأقلُّ خِبّاً. فقال: لعَمْري قد قيلَ هذا. ولكِنْ كمْ قوْلٍ آذى! ويْحَكَ أمَا هيَ المُهرَةُ الأبيّةُ العِنانِ. والمَطيّةُ البَطيّةُ الإذْعانِ! والزَّنْدَةُ المتعسِّرَةُ الاقْتِداحِ. والقَلعَةُ المُستَصْعَبَةُ الافتِتاحِ! ثمّ إنّ مؤونَتَها كثيرةٌ. ومَعونتَها يَسيرةٌ. وعِشْرَتَها صَلِفَةٌ. ودالّتَها مُكلَّفَةٌ. ويدَها خرْقاء. وفِتْنَتها صَمّاء. وعَريكتَها خشْناء. وليلَتَها ليْلاء. وفي رياضَتِها عَناءٌ. وعلى خِبرَتِها غِشاءٌ! وطالما أخزَتِ المُنازِلَ. وفرِكَتِ المُغازِلَ. وأحنَقَتِ الهازِلَ. وأضرَعَتِ الفَنيقَ البازِلَ. ثمّ إنّها التي تقول: أنا ألْبَسُ وأجلِسُ. فأطلُبُ منْ يُطلِقُ ويحبِسُ! فقلتُ لهُ: فما ترى في الثّيّبِ. يا أبا الطّيّبِ? فقال: ويْحَكَ أترغبُ في فُضالَةِ المآكِلِ. وثُمالَةِ المناهِلِ? واللّباسِ المُستَبذَلِ. والوِعاءِ المُستَعْمَلِ? والذّواقَةِ المُتطرِّفَةِ. والخَرّاجةِ المتصرِّفَةِ? والوَقاحِ المتسلِّطَةِ. والمُحتَكِرَةِ المتسخِّطةِ? ثمّ كلمَتُها كُنتُ وصِرْتُ. وطالَما بُغيَ عليّ فنُصِرْتُ. وشتّان بين اليومِ وأمْسِ. وأينَ القمرُ منَ الشّمسِ? وإنْ كانتِ الحَنّانَةَ البَروكَ. والطّمّاحَةَ الهَلوكَ. فهيَ الغُلُّ القَمِلُ. والجُرْحُ الذي لا يندَمِلُ! فقلتُ له: فهلْ ترى أن أترَهّبَ. وأسلُكَ هذا المذْهَبَ? فانْتَهَرني انتِهارَ المؤدِّبِ. عندَ زَلّةِ المتأدِّبِ. ثمّ قال: ويلَكَ أتَقتَدي بالرُّهْبانِ. والحقُّ قدِ استَبانَ? أُفٍّ لكَ. ولوَهْنِ رائِكَ. وتبّآً لك ولأولَئِكَ! أتُراكَ ما سمعْتَ
بأنْ لا رَهْبانيّةَ في الإسلام. أو ما حُدّثْتَ بمناكِحِ نبيّكَ عليْهِ أزْكى السّلامِ? ثم أمَا تعلَمُ أنّ القَرينَةَ الصالحةَ تَرُبّ بيتَكَ. وتُلبّي صوتَكَ. وتغُضّ طرْفَكَ. وتطيّبُ عَرفكَ? وبها ترَى قُرّةَ عينِكَ. وريْحانَةَ أنفِكَ. وفرْحةَ قلبِكَ. وخُلْدَ ذِكرِكَ. وتعِلّةَ يومِكَ وغدِكَ. فكيفَ رَغِبْتَ عنْ سُنّةِ المُرسَلينَ. ومُتعَةِ المتأهِّلينَ. وشِرْعَةِ المُحْصَنينَ. ومَجْلَبَةِ المالِ والبَنين? واللهِ لقدْ ساءني فيكَ. ما سمِعْتُ من فيكَ. ثمّ أعْرَضَ إعْراضَ المُغضَبِ. ونَزا نَزَوانَ العُنظَبِ. فقلتُ لهُ: قاتَلَكَ اللهُ أتنطَلِقُ متبخْتِراً. وتدعُني متحيِّراً? فقال: أظنّكَ تدّعي الحَيرَةَ. لتَستَغْنيَ عنِ المُهَيْرَةِ! فقلتُ له: قبّحَ اللهُ ظنّكَ. ولا أشَبّ قرْنَكَ! ثمّ رُحْتُ عنهُ مَراحَ الخَزْيانِ. وتُبتُ منْ مُشاوَرَةِ الصّبيانِ. قال الحارثُ بنُ همّامٍ: فقلتُ لهُ أُقسِمُ بمنْ أنْبَتَ الأيْكَ. أنّ الجدَلَ منكَ وإلَيْكَ. فأغْرَبَ في الضّحِكِ وطرِبَ طَرْبَةَ المُنهَمِكِ. ثم قال: العَقِ العسَلَ. ولا تسَلْ! فأخَذْتُ أُسهِبُ في مدْحِ الأدبِ. وأفضّلُ ربّّهُ على ذي النّشبِ. وهوَ ينظُرُ إليّ نظرَ المُستَجْهِلِ. ويُغْضي عني إغْضاءَ المتمهّلِ. فلمّا أفْرَطْتُ في العَصبيّةِ. للعُصبَةِ الأدبيّةِ. قال لي: صهْ. واسمعْ مني وافْقَهْ:ْ لا رَهْبانيّةَ في الإسلام. أو ما حُدّثْتَ بمناكِحِ نبيّكَ عليْهِ أزْكى السّلامِ? ثم أمَا تعلَمُ أنّ القَرينَةَ الصالحةَ تَرُبّ بيتَكَ. وتُلبّي صوتَكَ. وتغُضّ طرْفَكَ. وتطيّبُ عَرفكَ? وبها ترَى قُرّةَ عينِكَ. وريْحانَةَ أنفِكَ. وفرْحةَ قلبِكَ. وخُلْدَ ذِكرِكَ. وتعِلّةَ يومِكَ وغدِكَ. فكيفَ رَغِبْتَ عنْ سُنّةِ المُرسَلينَ. ومُتعَةِ المتأهِّلينَ. وشِرْعَةِ المُحْصَنينَ. ومَجْلَبَةِ المالِ والبَنين? واللهِ لقدْ ساءني فيكَ. ما سمِعْتُ من فيكَ. ثمّ أعْرَضَ إعْراضَ المُغضَبِ. ونَزا نَزَوانَ العُنظَبِ. فقلتُ لهُ: قاتَلَكَ اللهُ أتنطَلِقُ متبخْتِراً. وتدعُني متحيِّراً? فقال: أظنّكَ تدّعي الحَيرَةَ. لتَستَغْنيَ عنِ المُهَيْرَةِ! فقلتُ له: قبّحَ اللهُ ظنّكَ. ولا أشَبّ قرْنَكَ! ثمّ رُحْتُ عنهُ مَراحَ الخَزْيانِ. وتُبتُ منْ مُشاوَرَةِ الصّبيانِ. قال الحارثُ بنُ همّامٍ: فقلتُ لهُ أُقسِمُ بمنْ أنْبَتَ الأيْكَ. أنّ الجدَلَ منكَ وإلَيْكَ. فأغْرَبَ في الضّحِكِ وطرِبَ طَرْبَةَ المُنهَمِكِ. ثم قال: العَقِ العسَلَ. ولا تسَلْ! فأخَذْتُ أُسهِبُ في مدْحِ الأدبِ. وأفضّلُ ربّّهُ على ذي النّشبِ. وهوَ ينظُرُ إليّ نظرَ المُستَجْهِلِ. ويُغْضي عني إغْضاءَ المتمهّلِ. فلمّا أفْرَطْتُ في العَصبيّةِ. للعُصبَةِ الأدبيّةِ. قال لي: صهْ. واسمعْ مني وافْقَهْ:
يقولونَ إنّ جَمالَ الفـتـى *** وزينَـتَـهُ أدَبٌ راسِــخُ
وما إنْ يَزينُ سوى المُكثِرينَ *** ومنْ طوْدُ سودَدِهِ شـامِـخُ
فأما الفَقـيرُ فـخـيْرٌ لـهُ *** منَ الأدَبِ القُرْصُ والكامِخُ
وأيّ جَمـالٍ لـهُ أنْ يُقـال *** أديبٌ يعـلِّـمُ أو نـاسِـخُ

ثمّ قال: سيتّضِحُ لكَ صِدْقُ لهجَتي. واستِنارَةُ حُجّتي. وسِرْنا لا نألو جُهْداً. ولا نستَفيقُ جَهْداً. حتى أدّانا السيرُ. الى قريَةٍ عزَبَ عنها الخيرُ. فدخلْناها للارْتِيادِ. وكِلانا منْفِضٌ منَ الزّادِ. فما إنْ بلَغْنا المَحَطّ. والمُناخَ المخْتَطّ. أو لَقيَنا غُلامٌ لمْ يبلُغِ الحِنْثَ. وعلى عاتِقِه ضِغْثٌ. فحيّاهُ أبو زيدٍ تحيّةَ المُسلمِ. وسألَهُ وَقفَةَ المُفهِمِ. فقال: وعمّ تسألُ وفّقكَ اللهُ? قال: أيُباعُ هاهُنا الرُّطَبُ. بالخُطَبِ? قال: لا واللهِ! قال: ولا البلَحُ. بالمُلَحِ? قال: كلا واللهِ. قال: ولا الثّمرُ. بالسّمَرِ? قال: هيهاتَ واللهِ! قال: ولا العَصائِدُ. بالقصائدِ? قال: اسْكُتْ عافاكَ اللهُ! قال: ولا الثّرائِدُ. بالفَرائدِ? قال: أينَ يُذهَبُ بكَ أرشَدَكَ اللهُ? قال: ولا الدّقيقُ. بالمعْنى الدّقيقِ? قال: عدّ عنْ هذا أصْلَحَكَ اللهُ! واستَحْلى أبو زيدٍ تَراجُعَ السّؤالِ والجَوابِ. والتّكايُلَ منْ هذا الجِرابِ. ولمَحَ الغُلامُ أنّ الشّوطَ بَطينٌ. والشيخَ سُوَيطينٌ. فقال له: حسبُكَ يا شيخُ قد عرَفْتُ فنّكَ. واستبَنْتُ أنّكَ. فخُذِ الجوابَ صُبرَةً. واكْتَفِ بهِ خِبرَةً: أما بهذا المكانِ فلا يُشتَرى الشِّعرُ بشَعيرَةٍ. ولا النّثرُ بنُثارَةٍ. ولا القَصَصُ بقُصاصَةٍ. ولا الرّسالَةُ بغُسالَةٍ. ولا حِكَمُ لُقْمانَ بلُقمَةٍ. ولا أخْبارُ المَلاحِمِ بلَحْمَةٍ. وأما جيلُ هذا الزّمانِ فما منهُمْ مَنْ يَميحُ. إذا صيغَ لهُ المديحُ. ولا مَنْ يُجيزُ. إذا أُنشِدَ لهُ الأراجيزُ. ولا منْ يُغيثُ. إذا أطرَبَهُ الحديثُ. ولا منْ يَميرُ. ولوْ أنّهُ أميرٌ. وعندَهُمْ أنّ مثَلَ الأديبِ. كالرّبْعِ الجَديبِ. إنْ لم تجُدِ الرّبْعَ ديمَةٌ. لمْ تكُنْ لهُ قيمةٌ. ولا دانَتْهُ بَهيمةٌ. وكذا الأدَبُ. إنْ لم يعْضُدْهُ نشَبٌ. فدَرْسُهُ نصَبٌ. وخزْنُهُ حصَبٌ. ثمّ انسَدَرَ يعْدو. وولّى يحْدو. فقال لي أبو زيدٍ: أعَلِمْتَ أنّ الأدَبَ قد بارَ. وولّتْ أنصارُهُ الأدْبارَ? فبُؤتُ لهُ بحُسْنِ البَصيرَةِ. وسلّمْتُ بحُكْمِ الضّرورةِ. فقال: دعْنا الآنَ منَ المِصاعِ. وخُضْ في حديثِ القِصاعِ. واعْلَمْ أنّ الأسْجاعَ. لا تُشبِعُ منْ جاعَ. فما التّدبيرُ في ما يُمسِكُ الرّمَقَ. ويُطفِئ الحرَقَ? فقلتُ: الأمرُ إليْكَ. والزّمامُ بيديْكَ. فقال: أرى أنْ ترْهَنَ سيفَكَ. لتُشبِعَ جوفَكَ وضيفَكَ. فناوِلْنيهِ وأقِمْ. لأنقَلِبَ إليكَ بما تلْتَقِمُ. فأحسنْتُ به الظّنّ. وقلّدتُهُ السيفَ والرّهْنَ. فما لَبِثَ أنْ ركِبَ الناقَةَ. ورفضَ الصّدقَ والصّداقَةَ. فمكثْتُ مليّاً أترَقّبُهُ. ثمّ نهضْتُ أتعقّبُهُ. فكُنتُ كمَنْ ضيّعَ اللّبَنَ في الصّيفِ. ولم ألْقَهُ ولا السّيفَ.


عدل سابقا من قبل في الأربعاء يناير 16, 2008 5:18 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
khaled1212
عضو ماسي
عضو ماسي
khaled1212


ذكر
عدد الرسائل : 2380
السٌّمعَة : 1
نقاط : 60
تاريخ التسجيل : 05/10/2007

المقامة 44- 45-46-النجرانية - البكرية - الشتوية Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقامة 44- 45-46-النجرانية - البكرية - الشتوية   المقامة 44- 45-46-النجرانية - البكرية - الشتوية I_icon_minitimeالأربعاء يناير 16, 2008 4:40 pm

المقامة الشّتَويّة
حكى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: عشَوْتُ في ليلَةٍ داجِيَةِ الظُّلَمِ. فاحِمَةِ اللِّمَمِ. الى نارٍ تُضْرَمُ على علَمٍ. وتُخبِرُ عن كرَمٍ. وكانتْ ليلَةً جوُّها مَقرورٌ. وجَيْبُها مَزْرورٌ. ونجمُها مغْمومٌ. وغيمُها مرْكومٌ. وأنا فيها أصْرَدُ منْ عينِ الحِرْباء. والعَنْزِ الجَرْباء. فلمْ أزلْ أنُصّ عنْسي. وأقولُ: طوبى لكِ ولَنفْسي! الى أن تبصّرَ المُوقِدُ آلي. وتبيّنَ إرْقالي. وتبيّنَ إرْقالي. فانحدَرَ يعْدو الجَمَزَى. ويُنشِدُ مُرتَجِزاً:
حُيّيتَ منْ خابِـطِ لـيْلٍ سـاري *** هَداهُ بلْ أهْداهُ ضـوءُ الـنـارِ
الى رَحيبِ الباعِ رحْـبِ الـدّارِ *** مرحِّبٍ بالطّارِقِ المُـمْـتـارِ
تَرْحابَ جعْدِ الكفّ بـالـدّينـارِ *** ليسَ بـمُـزْوَرٍّ عـنِ الـزُوّارِ
ولا بمِعْتامِ الـقِـرى مِـئْخـارِ *** إذا اقشَعرّتْ تُرَبُ الأقْـطـارِ
وضَنّتِ الأنـواءُ بـالأمْـطـارِ *** فهْوَ على بؤسِ الزّمانِ الضّاري
جمُّ الرّمادِ مرهَفُ الـشِّـفـارِ *** لمْ يخْلُ في لـيلٍ ولا نَـهـارِ
من نحْرِ وارٍ واقتِـداحِ وارِي ***

ثمّ تلقّاني بمُحيّا حَييٍّ. وصافَحَني براحَةِ أريَحِيٍّ. واقْتادَني الى بيتٍ عِشارُهُ تخورُ. وأعْشارُهُ تفورُ. وولائِدُهُ تمورُ. وموائِدُهُ تدورُ. وبأكْسارِهِ أضْيافٌ قدْ جلبَهُم جالِبي. وقُلّبوا في قالَبي. وهُمْ يجتَنونَ فاكِهةَ الشّتاء. ويمرَحونَ مرَحَ ذَوي الفَتاء. فأخذْتُ مأخذَهُمْ في الاصطِلاء. ووجدْتُ بهِمْ وجْدَ الثّمِلِ بالطِّلاء. ولمّا أنْ سَرى الحصَرُ. وانْسَرى الخَصَرُ. أُتينا بمَوائِدَ كالهالاتِ دَوْراً. والرّوْضاتِ نَوْراً. وقد شُحنّ بأطْعِمَةِ الوَلائمِ. وحُمينَ منَ العائِبِ واللائِمِ. فرفَضْنا ما قيلَ في البِطنَةِ. ورأيْنا الإمْعانَ فيها منَ الفِطنَةِ. حتى إذا اكتَلْنا بصاعِ الحُطَمِ. وأشْفَيْنا على خطَرِ التُخَمِ. تعاوَرْنا مَشوشَ الغمَرِ. ثمّ تبوّأنا مقاعِدَ السّمَرِ. وأخذَ كُلُّ واحِدٍ منا يَشولُ بلِسانِهِ. وينشُرُ ما في صِوانِهِ. ما عَدا شيخاً مُشتَهِباً فَوْداهُ. مُخلَوْلِقاً بُرْداهُ. فإنّهُ ربَضَ حَجرَةً. وأوسَعَنا هِجرَةً. فغاظَنا تجنّبُهُ. المُلتَبِسُ موجِبُهُ. المعْذورُ فيهِ مؤنّبُهُ. إلا أنّا ألَنّا لهُ القوْلَ. وخشِينا في المسألَةِ العوْلَ. وكلّما رُمْنا أنْ يَفيضَ كما فِضْنا. أو يُفيضَ في ما أفَضْنا. أعْرَضَ إعْراضَ العِلّيّةِ عنِ الأرْذَلينَ. وتَلا: إنْ هذا إلا أساطيرُ الأوّلينَ. ثمّ كأنّ الحَميّةَ هاجَتْهُ. والنّفْسَ الأبيّةَ ناجَتْهُ. فدلَفَ وازْدَلَفَ. وخلعَ الصّلَفَ. وبذلَ أنْ يتَلافى ما سلَفَ. ثمّ استرْعى سمْعَ السّامِرِ. واندفَعَ كالسّيلِ الهامِرِ. وقال:
عِندي أعاجيبُ أرْويهـا بـلا كـذِبِ *** عنِ العِيانِ فكَنّوني أبا الـعـجَـبِ
رأيتُ يا قوْمِ أقْـوامـاً غـذاؤهُـمُ *** بَوْلُ العجوزِ وما أعني ابنَةَ العِنَـبِ
ومُسنِتِينَ منَ الأعْـرابِ قـوتُـهُـمُ *** أن يشتووا خِرقةً تُغني من السّغَـبِ
وقادِرينَ متى ما ساء صُـنـعُـهُـمُ *** أو قصّروا فيه قالوا الذّنْبُ للحطَبِ
وكاتِبينَ وما خطّـتْ أنـامِـلُـهُـمْ *** حرْفاً ولا قرَأوا ما خُطّ في الكُتُـبِ
وتابِعينَ عُقابـاً فـي مـسـيرِهِـمِ *** على تكمّيهِمِ في البيْضِ والـيَلَـبِ
ومُنتَدينَ ذَوي نُـبْـلٍ بـدَتْ لـهُـمُ *** نبيلَةٌ فانْثَنوْا منهـا الـى الـهـرَبِ
وعُصبَةً لمْ ترَ البيْتَ العَتـيقَ وقـدْ *** حجّتْ جُثِيّاً بلا شكٍّ على الـرُّكَـبِ
ونِسوَةً بعدَما أدْلجـنَ مـن حـلَـبٍ *** صبّحنَ كاظِمَةً من غيرِ ما تـعَـبِ
ومُدلِجينَ سرَوْا من أرضِ كاظِـمَةٍ *** فأصبَحوا حينَ لاحَ الصُبحُ في حلَبِ
ويافِعاً لـم يُلامِـسْ قـطُّ غـانِـيَةً *** شاهَدتُهُ ولهُ نسلٌ مـنَ الـعَـقِـبِ
وشائِباً غيرَ مُخْفٍ للمَـشـيبِ بَـدا *** في البَدْوِ وهْوَ فتيُّ السِّنّ لم يشِـبِ
ومُرضَعاً بلِبـانٍ لـمْ يفُـهْ فـمُـهُ *** رأيتُهُ في شِجارٍ بـيّنِ الـسّـبَـبِ
وزارِعاً ذُرَةً حتـى إذا حُـصِـدَتْ *** صارتْ غُبَيراء يهواها أخو الطّرَبِ
وراكِباً وهْوَ مغلولٌ عـلـى فـرَسٍ *** قد غُلّ أيضاً وما ينفكّ عن خـبَـبِ
وذا يدٍ طُـلُـقٍ يقْـتـادُ راحِــلَةً *** مُستَعجِلاً وهْوَ مأسورٌ أخو كُـرَبِ
وجالِساً ماشياً تـهْـوي مـطـيّتُـهُ *** بهِ وما في الذي أوْرَدتُ مـن رِيَبِ
وحائكاً أجْذَمَ الـكـفّـينِ ذا خـرَسٍ *** فإن عجبتمْ فكمْ في الخَلقِ من عجَبِ
وذا شَطاطٍ كصدرِ الرّمحِ قامَـتُـهُ *** صادَفتُهُ بمِنًى يشكو منَ الـحـدَبِ
وساعياً في مـسَـرّاتِ الأنـامِ يرى *** إفْراحَهُمْ مأثماً كالظُّلـمِ والـكـذِبِ
ومُغْرَماً بمُنـاجـاةِ الـرّجـالِ لـهُ *** وما له في حديثِ الخلقِ مـن أرَبِ
وذا ذِمامٍ وفَتْ بالـعَـهْـدِ ذمّـتُـهُ *** ولا ذِمامَ لهُ في مذهَبِ الـعـرَبِ
وذا قُوًى ما اسْتبانَتْ قـطّ لِـينَـتُـهُ *** ولِينُهُ مُستَبينٌ غـيرُ مُـحـتـجِـبِ
وساجداً فوقَ فحْلٍ غيرَ مـكـتـرِثٍ *** بِماأتى بلْ يراهُ أفضـلَ الـقُـرَبِ
وعاذِراً مؤلِمـاً مَـنْ ظـلّ يعـذِرُهُ *** معَ التّلطّفِ والمعذورُ في صخَـبِ
وبلْدَةً ما بهـا مـاءٌ لـمُـغـتَـرِفٍ *** والماءُ يجري عليْها جرْيَ مُنسـرِبِ
وقريةً دونَ أُفحوصِ القطا شُحنـتْ *** بديلمٍ عشيهُمْ من خُلسَةِ الـسّـلَـبِ
وكوْكَباً يتَـوارى عـنـدَ رؤيتـهِ ال *** إنسانُ حتى يُرَى في أمنَعِ الحُجُـبِ
وروْثَةً قوّمَـتْ مـالاً لـهُ خـطَـرٌ *** ونفْسُ صاحِبِها بالمالِ لـم تـطِـبِ
وصحفَةً من نُضارٍ خالصٍ شُـريتْ *** بعدَ المِكاسِ بقيراطٍ مـن الـذّهـبِ
ومُستَجيشاً بخشْخـاشٍ لـيدفـعَ مـا *** أظَلّهُ مـنْ أعـاديهِ فـلـمْ يخِـبِ
وطالَما مرّ بي كلبٌ وفـي فـمـهِ *** ثورٌ ولـكـنّـهُ ثـورٌ بـلا ذنَـبِ
وكمْ رأى ناظِير فيلاً علـى جـمَـلٍ *** وقد تورّكَ فوقَ الرّحْلِ والـقـتَـبِ
وكم لَقيتُ بعرْضِ البيدِ مُشـتـكـياً *** وما اشتكى قطّ في جِدٍّ وفي لعِـبِ
وكنتُ أبصـرْتُ كـرّازاً لـراعِـيَةٍ *** بالدّوّ ينظُرُ من عينَينِ كالـشُـهُـبِ
وكم رأتْ مُقلَتي عينَينِ مـاؤهُـمـا *** يجري من الغَرْبِ والعَينانِ في حلَبِ
وصادِعاً بالقَنا من غيرِ أن علِـقَـتْ *** كفّاهُ يوماً بـرُمْـحٍ لا ولـمْ يثِـبِ
وكم نزلْتُ بأرضٍ لا نَخـيلَ بـهـا *** وبعدَ يوم رأيتُ البُسرَ في القُـلُـبِ
وكم رأيتُ بأقْطارِ الفَـلا طـبَـقـاً *** يطيرُ في الجوّ منصَبّاً الى صـبَـبِ
وكم مشايخَ فـي الـدُنْـيا رأيتُـهُـمُ *** مخَلَّدينَ ومَنْ ينْجو من الـعـطَـبِ
وكم بدا لي وحْشٌ يشتكي سـغَـبـاً *** بمنطِقٍ ذلِقٍ أمضى منَ القُـضُـبِ
وكم دَعانيَ مُستَنْـجٍ فـحـادثَـنـي *** وما أخَلّ ولا أخْـلَـلْـتُ بـالأدَبِ
وكم أنختُ قَلوصي تحت جُـنـبُـذَةٍ *** تُظلّ ما شئتَ من عُجمٍ ومن عُـرُبِ
وكم نظرْتُ الى منع سُرّ ساعَـتَـهُ *** ودمعُهُ مستَهِلُّ القطرِ كالـسُّـحُـبِ
وكم رأيتُ قَميصاً ضرّ صـاحِـبَـهُ *** حتى انثنَى واهيَ الأعضاء والعصَبِ
وكمْ إزارٍ لوَ انّ الدهـرَ أتـلَـفَـهُ *** لجفّ لِبْدُ حَثيثِ السيرِ مُضـطـرِبِ
هذا وكمْ منْ أفـانـينٍ مـعـجِّـبَةٍ *** عندي ومن مُلَحٍ تُلهي ومن نُـخَـبِ
فإنْ فطِنتمْ للَحنِ القوْلِ بـان لـكُـمْ *** صِدْقي ودلّكُمُ طلْعي على رُطَبـي
وإنْ شُدِهتُمْ فإنّ العارَ فـيهِ عـلـى *** منْ لا يُمَيّزُ بينَ العودِ والـخـشَـبِ

قال الحارثُ بنُ همّام: فطفِقْنا نخبِطُ في تقْليبِ قَريضِهِ. وتأويلِ مَعاريضِهِ. وهوَ يلهو بِنا لهْوَ الخليّ بالشّجيّ. ويقول: ليسَ بعُشّكِ فادْرُجي. الى أن تعسّرَ النّتاجُ. واستحْكَمَ الارْتجاجُ. فألْقَينا إليْهِ المَقادَةَ. وخطَبْنا منهُ الإفادَةَ. فوقَفْنا بينَ المَطمَعِ والياسِ. وقال: الإيناسف قبلَ الإبْساسِ! فعلِمنا أنهُ ممّنْ يرغَبُ في الشُّكْمِ. ويرْتَشي في الحُكْمِ. وساء أبا مثْوانا أنْ نعرَّضَ للغُرْمِ. أو نُخَيَّبَ بالرُّغْمِ. فأحْضَرَ صاحِبُ المنزِلِ ناقةً عِيديّةً. وحُلّةً سَعيديّةً. وقال له: خُذْهُما حَلالاً. ولا ترْزأ أضْيافي زِبالاً. فقال: أشهَدُ أنها شِنشِنَةٌ أخزَميّةٌ. وأريَحيّةٌ حاتِميّةٌ. ثم قابلَنا بوجهٍ بِشرُهُ يشِفّ. ونَضْرَتُهُ ترِفّ. وقال: يا قوْمِ إنّ الليْلَ قدِ اجْلَوّذَ. والنّعاسَ قدِ استحْوَذَ. فافْزَعوا الى المَراقِدِ. واغتَنِموا راحَةَ الرّاقِدِ. لتَشرَبوا نَشاطاً. وتُبعَثوا نِشاطاً. فتَعوا ما أفَسّرُ. ويتسهّلَ لكُمُ المتعسِّرُ. فاسْتَصوَبَ كلٌ ما رآهُ. وتوسّد وِسادَةَ كَراهُ. فلمّا وسَنَتِ الأجْفانُ. وأغْفَتِ الضِّيفانُ. وثبَ الى النّاقَةِ فرحَلَها. ثمّ ارتَحَلَها ورحّلَها. وقال مُخاطِباً لها:
سَروجَ يا ناقَ فَسيري وخِـدِي *** وأدْلِجـي وأوّبـي وأسْـئِدي
حتى تَطا خُفّاكِ مرْعاها النّدي *** فتَنعَمي حينَئذٍ وتَـسـعَـدي
وتأمَني أنْ تُتْهِمي وتُنْـجِـدي *** إيهِ فدَتكِ النّوقُ جِدّي واجهَدي
وافْرِي أديمَ فدْفَـدٍ فـفَـدْفَـدِ *** واقْتَنِعِي بالنّشْحِ عندَ المـوْرِدِ
ولا تَحُطّي دونَ ذاكَ المَقصِـدِ *** فقدْ حلَفْتُ حَلفَةَ المُجتَـهِـدِ
بحُرمَةِ البيتِ الرّفيعِ العُـمُـدِ *** إنّكِ إنْ أحلَلْتِني في بـلَـدي
حللْتِ منّي بمحَـلّ الـولَـدِ ***
قل: فعلِمْتُ أنهُ السّروجيُّ الذي إذا باعَ انْباعَ. وإذا ملأ الصّاعَ انْصاعَ. ولمّا انبلَجَ صَباحُ اليومِ. وهبّ النّوّامُ منَ النّومِ. أعلَمتُهُمْ أن الشيخَ حينَ أغْشاهُمُ السُباتَ. طلّقَهُمُ البَتاتَ. وركِبَ النّاقَةَ وفاتَ. فأخذَهُم ما قَدُمَ وما حَدُثَ. ونَسوا ما طابَ منهُ بِما خبُثَ. ثمّ انشَعَبْنا في كلّ مشْعَبٍ. وذهبْنا تحْتَ كُلّ كوكَبٍ.


عدل سابقا من قبل في الأربعاء يناير 16, 2008 5:21 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سيارات الشباب
مشرف
مشرف
سيارات الشباب


ذكر
عدد الرسائل : 1770
العمر : 25
الاوسمة : المقامة 44- 45-46-النجرانية - البكرية - الشتوية Wesaam12
السٌّمعَة : 0
نقاط : 41
تاريخ التسجيل : 09/10/2007

المقامة 44- 45-46-النجرانية - البكرية - الشتوية Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقامة 44- 45-46-النجرانية - البكرية - الشتوية   المقامة 44- 45-46-النجرانية - البكرية - الشتوية I_icon_minitimeالإثنين أبريل 14, 2008 11:56 am

شكرا على المشاركة
الجميلة والرائعة

تحياتي

سيارات الشباب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://thaqafa.yoo7.com
ابو حسين
مشرف
مشرف
ابو حسين


عدد الرسائل : 2613
الاوسمة : المقامة 44- 45-46-النجرانية - البكرية - الشتوية Mosamem
السٌّمعَة : 0
نقاط : 9
تاريخ التسجيل : 09/10/2007

المقامة 44- 45-46-النجرانية - البكرية - الشتوية Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقامة 44- 45-46-النجرانية - البكرية - الشتوية   المقامة 44- 45-46-النجرانية - البكرية - الشتوية I_icon_minitimeالإثنين يوليو 07, 2008 2:01 pm

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكراعلى الموضيع الجديدة والرائعة

مع تحيات

ابو حسين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المقامة 44- 45-46-النجرانية - البكرية - الشتوية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المقامة 19-20-21 الفارقية -الرازية - الفراتية
» المقامة 34-35 الشيرازية - الملطية
» المقامة 51-52 الساسانية - البصرية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتدى الادبي :: لغتنا العربية-
انتقل الى: