هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالقرآن الكريم البوابةأحدث الصورالتسجيلالتحميل شات ثقافة دخول

 

 المقامة 51-52 الساسانية - البصرية

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
khaled1212
عضو ماسي
عضو ماسي
khaled1212


ذكر
عدد الرسائل : 2380
السٌّمعَة : 1
نقاط : 60
تاريخ التسجيل : 05/10/2007

المقامة 51-52 الساسانية - البصرية Empty
مُساهمةموضوع: المقامة 51-52 الساسانية - البصرية   المقامة 51-52 الساسانية - البصرية I_icon_minitimeالأربعاء يناير 16, 2008 4:46 pm

المقامة السّاسانيّة

حكى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: بلَغني أنّ أبا زيدٍ حينَ ناهزَ القَبْضَةَ. وابتَزّهُ قيدُ الهرَمِ النّهْضَةَ. أحضرَ ابنَهُ. بعْدَما اسْتَجاشَ ذِهنَهُ. وقال لهُ: يا بُنيّ إنهُ قد دنَا ارتِحالي منَ الفِناء. واكتِحالي بمِروَدِ الفَناء. وأنتَ بحمْدِ اللهِ وليُّ عهْدي. وكبْشُ الكَتيبَةِ السّاسانيّة منْ بعْدي. ومثلُكَ لا تُقرَعُ لهُ العَصا. ولا يُنَبَّهُ بطَرْقِ الحصَى. ولكِنْ قد نُدِبَ الى الإذْكارِ. وجُعِلَ صيْقَلاً للأفكارِ. وإني أُوصيكَ بما لمْ يوصِ بهِ شيثٌ الأنْباطَ. ولا يعْقوبُ الأسْباطَ. فاحفَظْ وصيّتي. وجانِبْ معْصِيتي. واحْذُ مِثالي. وافْقَهْ أمْثالي. فإنّكَ إنِ استَرشدْتَ بنُصْحي. واستَصْبَحْتَ بصُبْحي. أمْرَعَ خانُكَ. وارتفَعَ دُخانُكَ. وإنْ تناسَيْتَ سُورَتي. ونبذْتَ مَشورَتي. قَلّ رمادُ أثافيكَ. وزَهِدَ أهلُكَ ورهْطُكَ فيكَ. يا بُنيّ إني جرّبْتُ حقائِقَ الأمورِ. وبلَوْتُ تصاريفَ الدّهورِ. فرأيْتُ المرْءَ بنَشَبِهِ. لا بنَسَبِهِ. والفحْصَ عن مكسَبِهِ. لا عنْ حسَبِهِ. وكُنتُ سمِعْتُ أنّ المَعايِشَ إمارَةٌ. وتجارَةٌ. وزِراعَةٌ. وصناعَةٌ. فمارَسْتُ هذِهِ الأرْبَعَ. لأنظُرَ أيّها أوفقُ وأنفَعُ. فما أحْمَدْتُ منها معيشَةً. ولا استرْغَدْتُ فيها عِيشَةً. أما فرَصُ الوِلاياتِ. وخُلَسُ الإماراتِ. فكأضْغاثِ الأحْلامِ. والفَيْءِ المُنتَسِخِ بالظّلامِ. وناهيكَ غُصّةً بمَرارَةِ الفِطامِ. وأما بضائِعُ التّجاراتِ. فعُرْضَةٌ للمُخاطَراتِ. وطُعمَةٌ للغاراتِ. وما أشبَهَها بالطّيورِ الطّيّاراتِ. وأما اتّخاذُ الضِّياعِ. والتّصدّي للازدِراعِ. فمنْهَكَةٌ للأعْراضِ. وقُيودٌ عائِقَةٌ عنِ الارْتِكاضِ. وقلّما خَلا ربُّها عنْ إذْلالٍ. أو رُزِقَ رَوْحُ بالٍ. وأما حِرَفُ أولي الصناعاتِ. فغيْرُ فاضِلَةٍ عنِ الأقْواتِ. ولا نافِقَةٍ في جَميعِ الأوْقاتِ. ومُعظَمُها معْصوبٌ بشَبيبَةِ الحَياةِ. ولمْ أرَ ما هوَ بارِدُ المَغنَمِ. لَذيذُ المطعَمِ. وافي المَكْسَبِ. صافي المَشرَبِ. إلا الحِرفَةَ التي وضعَ ساسنُ أساسَها. ونوّعَ أجْناسَها. وأضْرَمَ في الخافِقَيْنِ نارَها. وأوضَحَ لبَني غَبْراءَ مَنارَها. فشَهِدْتُ وقائِعَها مُعْلِماً. واخترْتُ سِيماها لي مِيسَماً. إذْ كانَتِ المَتْجَرَ الذي لا يَبورُ. والمنهَلَ الذي لا يغورُ. والمِصْباحَ الذي يعْشو إلَيْهِ الجُمهورُ. ويستصْبِحُ بهِ العُمْيُ والعورُ. وكانَ أهلُها أعَزّ قَبيلٍ. وأسعَدَ جيلٍ. لا يَرْهَقُهُمْ مسُّ حيْفٍ. ولا يُقلِقُهُمْ سَلُّ سيْفٍ. ولا يخْشَوْنَ حُمَةَ لاسِعٍ. ولا يَدينونُ لدانٍ ولا شاسِعٍ. ولا يرْهَبونَ ممّنْ برَقَ ورعَدَ. ولا يحفِلونَ بمَنْ قامَ وقعَدَ. أنديَتُهُمْ منزّهَةٌ. وقُلوبُهُمْ مرفّهَةٌ. وطُعَمُهُمْ مُعجَّلَةٌ. وأوقاتُهُمْ محَجّلَةٌ. أيْنما سقَطوا. لقَطوا. وحيثُما انخرَطوا. خرَطوا. لا يتّخذونَ أوْطاناً. ولا يتّقونَ سُلطاناً. ولا يمْتازونَ عمّا تغْدو خِماصاً. وتَروحُ بِطاناً. فقالَ لهُ ابنُهُ: يا أبَتِ لقدْ صدَقْتَ. في ما نطَقْتَ. ولكنّك رتَقْتَ. وما فتَقْتَ. فبيّنْ لي كيفَ أقتَطِفُ. ومنْ أينَ تؤكَلُ الكتِفُ? فقال: يا بُنيّ إنّ الارتِكاضَ بابُها. والنّشاطَ جِلبابُها. والفِطنَةَ مِصباحُها. والقِحَةَ سلاحُها. فكُنْ أجْوَلَ منْ قُطرُبٍ. وأسرى من جُندُبٍ. وأنشَطَ من ظَبْيٍ مُقمِرٍ. وأسلَطَ من ذِئْبٍ متنمِّرٍ. واقْدَحْ زَنْدَ جدّكَ بجِدّكَ. واقْرَعْ بابَ رعْيِكَ بسعْيِكَ. وجُبْ كُلّ فجّ. ولِجْ كلّ لُجّ. وانتَجِعْ كلّ روْض. وألْقِ دلْوَكَ الى كُلّ حوْضٍ. ولا تسْأمِ الطّلَبَ. ولا تمَلّ الدأَبَ. فقدْ كانَ مكتوباً على عَصا شيْخِنا ساسانَ: منْ طلبَ. جلبَ. ومنْ جالَ. نالَ. وإيّاكَ والكسلَ فإنهُ عُنوانُ النّحوسِ. ولَبوسُ ذَوي البوسِ. ومِفتاحُ المَترَبَةِ. ولِقاحُ المَتعَبَةِ. وشيمَةُ العجَزَةِ الجهَلَةِ. وشِنشِنَةُ الوُكَلَةِ التُّكَلَةِ. وما اشْتارَ العسَلَ. منِ اخْتارَ الكسلَ. ولا ملأ الرّاحةَ. منِ استوْطأ الرّاحةَ. وعليْكَ بالإقْدامِ. ولوْ على الضِّرْغامِ. فإنّ جَراءةَ الجَنانِ. تُنطِقُ اللّسانَ. وتُطلِقُ العِنانَ. وبها تُدرَكُ الحُظوَةُ. وتُملَكُ الثّروةُ. كما أنّ الخوَرَ صِنْوُ الكسَلِ. وسبَبُ الفشَلِ.

ومَبْطأةٌ للعمَلِ. ومَخْيَبَةٌ للأمَلِ. ولهذا قيلَ في المثلِ: منْ جسَرَ. أيسَرَ. ومنْ هابَ. خابَ. ثمّ ابْرُزْ يا بُنيّ في بكورِ أبي زاجِرٍ. وجَراءةِ أبي الحارثِ. وحَزامَةِ أبي قُرّةَ. وختْلِ أبي جَعْدَةَ. وحِرْصِ أبي عُقبَةَ. ونشاطِ أبي وثّابٍ. ومكْرِ أبي الحُصَينِ. وصبْرِ أبي أيّوبَ. وتلَطّفِ أبي غزْوانَ. وتلوّنِ أبي بَراقِشَ. وحيلَةِ قَصيرٍ. ودَهاء عمْرٍو. ولُطفِ الشّعْبيّ. واحتِمالِ الأحنَفِ. وفِطنَةِ إياسٍ. ومَجانةِ أبي نُواسٍ. وطمَعِ أشعَبَ. وعارِضَةِ أبي العَياء. واخلُبْ بصوْغِ اللّسانِ. واخدعْ بسِحرِ البَيانِ. وارْتَدِ السوقَ قبلَ الجَلَبِ. وامتَرِ الضّرْعَ قبلَ الحلَبِ. وسائِلِ الرُكبانَ قبلَ المُنتجَعِ. ودمّثْ لجَنبِكَ قبلَ المُضطَجَعِ. واشحَذْ بصيرَتَكَ للعِيافَةِ. وأنعِمْ نظرَكَ للقِيافَةِ. فإنّ منْ صدَقَ توسّمُهُ. طالَ تبسّمُهُ. ومنْ أخطأتْ فِراسَتُهُ. أبطأتْ فَريسَتُهُ. وكُنْ يا بُنيّ خَفيفَ الكَلّ. قَليلَ الدّلّ. راغِباً عنِ العَلّ. قانِعاً منَ الوَبلِ بالطّلّ. وعظّمْ وقعَ الحَقيرِ. واشكُرْ على النّقيرِ. ولا تقنَطْ عندَ الرّدّ. ولا تستَبعِدْ رشْحَ الصّلْدِ. ولا تيْأسْ منْ رَوحِ اللهِ إنهُ لا ييْأسُ منْ رَوحِ اللِ إلا القوْمُ الكافِرونَ. وإذا خُيّرتَ بينَ ذَرّةٍ منْقودَةٍ. ودُرّةٍ موْعودَةٍ. فمِلْ الى لنّقْدِ. وفضّلِ اليومَ على الغدِ. فإنّ للتأخيرِ آفاتٍ. وللعَزائِمِ بدَواتٍ. وللعِداتِ مُعَقِّباتٍ. وبيْنَها وبينَ النّجازِ عقَباتٌ وأيّ عقَباتٍ. وعليْكَ بصَبْرِ أولي العزْمِ. ورِفْقِ ذَوي الحزْمِ. وجانِبْ خُرْقَ المُشتَطّ. وتخلّقْ بالخُلْقِ السّبْطِ. وقيّدِ الدّرْهَمَ بالرّبْطِ. وشُبِ البَذْلِ بالضّبْطِ. ولا تجْعَلْ يدَكَ مغْلولَةً الى عُنقِكَ ولا تَبسُطْها كلّ البسْطِ. ومتى نَبا بكَ بلَدٌ. أو نابَكَ فيهِ كمَدٌ. فبُتّ منهُ أملَكَ. واسْرَحْ منهُ جمَلَكَ. فخيْرُ البِلادِ ما جمّلَكَ. ولا تستَثْقِلَنّ الرّحلَةَ. ولا تكْرهَنّ النُقلَةَ. فإنّ أعْلامَ شَريعَتِنا. وأشياخَ عَشيرَتِنا. أجْمَعوا على أنّ الحركَةَ برَكةٌ. والطّراوَةَ سُفتَجَةٌ. وزَرَوْا على منْ زعَمَ أنّ الغُربَةَ. كُربَةٌ. والنُقلَةَ. مُثلَةٌ. وقالوا: هي تَعِلّةُ منِ اقتنَعَ بالرّذيلةِ. ورضِيَ بالحشَفِ وسوء الكِيلَةِ. وإذا أزْمَعْتَ على الاغْتِرابِ. وأعْدَدْتَ لهُ العَصا والجِرابَ. فتخيّرِ الرّفيقَ المُسعِدَ. منْ قبْلِ أن تُصعِدَ. فإنّ الجارَ. قبلَ الدّارِ. والرّفيقَ. قبلَ الطّريقِ:َبْطأةٌ للعمَلِ. ومَخْيَبَةٌ للأمَلِ. ولهذا قيلَ في المثلِ: منْ جسَرَ. أيسَرَ. ومنْ هابَ. خابَ. ثمّ ابْرُزْ يا بُنيّ في بكورِ أبي زاجِرٍ. وجَراءةِ أبي الحارثِ. وحَزامَةِ أبي قُرّةَ. وختْلِ أبي جَعْدَةَ. وحِرْصِ أبي عُقبَةَ. ونشاطِ أبي وثّابٍ. ومكْرِ أبي الحُصَينِ. وصبْرِ أبي أيّوبَ. وتلَطّفِ أبي غزْوانَ. وتلوّنِ أبي بَراقِشَ. وحيلَةِ قَصيرٍ. ودَهاء عمْرٍو. ولُطفِ الشّعْبيّ. واحتِمالِ الأحنَفِ. وفِطنَةِ إياسٍ. ومَجانةِ أبي نُواسٍ. وطمَعِ أشعَبَ. وعارِضَةِ أبي العَياء. واخلُبْ بصوْغِ اللّسانِ. واخدعْ بسِحرِ البَيانِ. وارْتَدِ السوقَ قبلَ الجَلَبِ. وامتَرِ الضّرْعَ قبلَ الحلَبِ. وسائِلِ الرُكبانَ قبلَ المُنتجَعِ. ودمّثْ لجَنبِكَ قبلَ المُضطَجَعِ. واشحَذْ بصيرَتَكَ للعِيافَةِ. وأنعِمْ نظرَكَ للقِيافَةِ. فإنّ منْ صدَقَ توسّمُهُ. طالَ تبسّمُهُ. ومنْ أخطأتْ فِراسَتُهُ. أبطأتْ فَريسَتُهُ. وكُنْ يا بُنيّ خَفيفَ الكَلّ. قَليلَ الدّلّ. راغِباً عنِ العَلّ. قانِعاً منَ الوَبلِ بالطّلّ. وعظّمْ وقعَ الحَقيرِ. واشكُرْ على النّقيرِ. ولا تقنَطْ عندَ الرّدّ. ولا تستَبعِدْ رشْحَ الصّلْدِ. ولا تيْأسْ منْ رَوحِ اللهِ إنهُ لا ييْأسُ منْ رَوحِ اللِ إلا القوْمُ الكافِرونَ. وإذا خُيّرتَ بينَ ذَرّةٍ منْقودَةٍ. ودُرّةٍ موْعودَةٍ. فمِلْ الى لنّقْدِ. وفضّلِ اليومَ على الغدِ. فإنّ للتأخيرِ آفاتٍ. وللعَزائِمِ بدَواتٍ. وللعِداتِ مُعَقِّباتٍ. وبيْنَها وبينَ النّجازِ عقَباتٌ وأيّ عقَباتٍ. وعليْكَ بصَبْرِ أولي العزْمِ. ورِفْقِ ذَوي الحزْمِ. وجانِبْ خُرْقَ المُشتَطّ. وتخلّقْ بالخُلْقِ السّبْطِ. وقيّدِ الدّرْهَمَ بالرّبْطِ. وشُبِ البَذْلِ بالضّبْطِ. ولا تجْعَلْ يدَكَ مغْلولَةً الى عُنقِكَ ولا تَبسُطْها كلّ البسْطِ. ومتى نَبا بكَ بلَدٌ. أو نابَكَ فيهِ كمَدٌ. فبُتّ منهُ أملَكَ. واسْرَحْ منهُ جمَلَكَ. فخيْرُ البِلادِ ما جمّلَكَ. ولا تستَثْقِلَنّ الرّحلَةَ. ولا تكْرهَنّ النُقلَةَ. فإنّ أعْلامَ شَريعَتِنا. وأشياخَ عَشيرَتِنا. أجْمَعوا على أنّ الحركَةَ برَكةٌ. والطّراوَةَ سُفتَجَةٌ. وزَرَوْا على منْ زعَمَ أنّ الغُربَةَ. كُربَةٌ. والنُقلَةَ. مُثلَةٌ. وقالوا: هي تَعِلّةُ منِ اقتنَعَ بالرّذيلةِ. ورضِيَ بالحشَفِ وسوء الكِيلَةِ. وإذا أزْمَعْتَ على الاغْتِرابِ. وأعْدَدْتَ لهُ العَصا والجِرابَ. فتخيّرِ الرّفيقَ المُسعِدَ. منْ قبْلِ أن تُصعِدَ. فإنّ الجارَ. قبلَ الدّارِ. والرّفيقَ. قبلَ الطّريقِ:
خُذْهـا إلـيْكَ وصـيّةً *** لمْ يوصِها قبْلـي أحَـدْ
غَرّاءَ حـاويَةً خُـــلا *** صاتِ المَعاني والزُّبَـدْ
نقّحْتُها تـنْـقـيحَ مـنْ *** مَحَضَ النّصيحةَ واجتَهدْ
فاعْمَلْ بما مـثّـلْـتُـهُ *** عمَلَ اللّبيبِ أخي الرَّشَدْ
حتى يقـولَ الـنـاسُ ه *** ذا الشّبلُ منْ ذاكَ الأسَدْ
ثمّ قال: يا بُنيّ قد أوْصيتُ. واستقْصَيْتُ. فإنِ اقتَدَيْتَ فوَاهاً لكَ. وإنِ اعتَديْتَ فآهاً منكَ! واللهُ خَليفَتي عليْ:َ. وأرْجو أنْ لا تُخْلِفَ ظنّي فيكَ. فقالَ لهُ ابنُهُ: يا أبَتِ لا وُضِعَ عرْشُكَ. ولا رُفِعَ نعْشُكَ. فلقَدْ قلتَ سَدَداً. وعلّمْتَ رشَداً. ونحَلْتَ ما لمْ ينْحَلْ والِدٌ ولَداً. ولَئِنْ أُمْهِلْتُ بعْدَكَ. لا ذُقْتُ فقْدَكَ. فلأتأدّبَنّ بآدابِكَ الصالِحةِ. ولأقْتَدِيَنّ بآثارِكَ الواضِحَةِ. حتى يُقال: ما أشْبَهَ الليلةَ بالبارِحَةِ. والغادِيةَ بالرّائِحَةِ. فاهْتزّ أبو زيْدٍ لجَوابِهِ وابتسَمَ. وقال: منْ أشبَهَ أباهُ فَما ظلَمَ. قالَ الحارثُ بنُ همّامٍ: فأُخبِرْتُ أنّ بَني ساسانَ. حينَ سَمِعوا هَذي الوَصايا الحِسانَ. فضّلوها على وَصايا لُقْمانَ. وحفِظوها كما تُحفَظُ أمّ القُرْآنِ. حتى إنّهُمْ لَيَروْنَها الى الآنَ. أوْلى ما لقّنوهُ الصّبيانَ. وأنفَعَ لهُمْ منْ نِحلَةِ العِقيانِ.


عدل سابقا من قبل في الأربعاء يناير 16, 2008 5:05 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
khaled1212
عضو ماسي
عضو ماسي
khaled1212


ذكر
عدد الرسائل : 2380
السٌّمعَة : 1
نقاط : 60
تاريخ التسجيل : 05/10/2007

المقامة 51-52 الساسانية - البصرية Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقامة 51-52 الساسانية - البصرية   المقامة 51-52 الساسانية - البصرية I_icon_minitimeالأربعاء يناير 16, 2008 4:50 pm

المقامة البَصْريّة

حكَى الحارثُ بنُ همّامٍ قال: أُشعِرْتُ في بعضِ الأيامِ همّاً برَحَ بي استِعارُهُ. ولاحَ عليّ شِعارُهُ. وكنتُ سمِعتُ أنّ غِشْيانَ مجالِسِ الذّكْرِ. يسْرو غَواشيَ الفِكْرِ. فلمْ أرَ لإطْفاء ما بي منَ الجمْرَةِ. إلا قصْدَ الجامِعِ بالبَصرَةِ. وكانَ إذْ ذاكَ مأهولَ المسانِدِ. مَشْفوهَ المَوارِدِ. يُجْتَنى منْ رِياضِهِ أزاهيرُ الكَلامِ. ويُسمَعُ في أرْجائِهِ صَريرُ الأقْلامِ. فانطلَقْتُ إليْهِ غيرَ وانٍ. ولا لاوٍ على شانٍ. فلمّا وطِئْتُ حَصاهُ. واستَشْرَفْتُ أقْصاهُ. تَراءى لي ذو أطْمارٍ بالِيَةٍ. فوْقَ صخْرَةٍ عالِيَةٍ. وقدْ عصيَتْ بهِ عُصَبٌ لا يُحْصى عديدُهُمْ. ولا يُنادَى وَليدُهُمْ. فابتَدْتُ قصْدَهُ. وتورّدْتُ وِرْدَهُ. ورجَوْتُ أنْ أجِدَ شِفائي عندَهُ. ولمْ أزَلْ أتنقّلُ في المَراكِزِ. وأُغْضي للاّكِزِ والواكِزِ. الى أن جلسْتُ تُجاهَهُ. بحيْثُ أمِنْتُ اشْتِباهَهُ. فإذا هوَ شيخُنا السّروجيّ لا ريْبَ فيهِ. ولا لَبْسَ يُخْفيهِ. فانْسَرى بمَرْآهُ همّي. وارْفَضّتْ كتيبَةُ غمّي. وحينَ رآني. وبصُرَ بمكاني. قال: يا أهْلَ البصرَةِ رعاكُمُ اللهُ ووقاكُمْ. وقوّى تُقاكُمْ. فما أضْوَعَ ريّاكُمْ. وأفضلَ مَزاياكُمْ! بلَدُكُمْ أوْفَى البِلادِ طُهرَةً. وأزْكاها فِطرَةً. وأفسَحُه رُقعَةً. وأمرَعُها نُجعَةً. وأقوَمُها قِبلَةً. وأوسَعُها دِجلَةً. وأكثرُها نهْراً ونَخلَةً. وأحسَنُها تَفْصيلاً وجُملَةً. دِهْليزُ البلَدِ الحَرامِ. وقُبالَةُ البابِ والمَقامِ. وأحدُ جَناحَيِ الدّنْيا. والمِصْرُ المؤسّسُ على التّقْوى. لمْ يتدنّسْ ببُيوتِ النّيرانِ. ولا طِيفَ فيهِ بالأوْثانِ. ولا سُجِدَ على أديمِهِ لغَيرِ الرّحْمَنِ. ذو المَشاهِدِ المشْهودَةِ. والمساجِدِ المقصودَةِ. والمَعالِمِ المشْهورَةِ. والمقابِرِ المَزورَةِ. والآثارِ المحْمودَةِ. والخِطَطِ المحْدودَةِ. بهِ تلْتَقي الفُلْكُ والرّكابُ. والحيتانُ والضِّبابُ. والحادِي والمَلاّحُ. والقانصُ والفلاحُ. والناشِبُ والرّامِحُ. والسّارِحُ والسّابِحُ. ولهُ آيةُ المدّ الفائِضِ. والجزْرِ الغائِضِ. وأما أنتمْ فممّنْ لا يختلِفُ في خَصائِصِهِمِ اثْنانِ. ولا يُنكِرُها ذو شَنآنٍ. دَهْماؤكُمْ أطْوَعُ رَعِيّةٍ لسُلْطانٍ. وأشكَرُهُمْ لإحْسانٍ. وزاهِدكُمْ أوْرَعُ الخليقَةِ. وأحسنُهُمْ طَريقَةً على الحَقيقَةِ. وعالِمُكُمْ علاّمَةُ كلّ زمانٍ. والحُجّةُ البالِغَةُ في كلّ أوانٍ. ومنكُمْ منِ استنبَطَ عِلمَ النّحْوِ ووضَعَهُ. والذي ابتدَعَ ميزانَ الشِّعْرِ واخترَعَهُ. وما منْ فخْرٍ إلا ولَكُمْ فيهِ اليَدُ الطّولى. والقِدْحُ المُعَلّى. ولا صيتٍ إلا وأنتُمْ أحَقُّ بهِ وأوْلى. ثمّ إنّكُمْ أكثرُ أهلِ مِصرٍ مؤذّنينَ. وأحسَنُهُمْ في النّسكِ قَوانينَ. وبكُمُ اقتُدِيَ في التّعريفِ. وعُرِفَ التّسحيرُ في الشّهرِ الشّريفِ. ولكُمْ إذا قرّتِ المضاجِعُ. وهجَعَ الهاجِعُ. تَذْكارٌ يوقِظُ النّائِمَ. ويؤنِسُ القائِمَ. وما ابتسَمَ ثغْرُ فجرٍ. ولا بزَغَ نورُهُ في برْدٍ ولا حرٍّ. إلا ولتأذينِكُمْ بالأسْحارِ. دويٌّ كدويّ الرّيحِ في البِحارِ. وبِهذا صدَعَ عنكُمُ النّقْلُ. وأخبرَ النّبيُّ، عليهِ السّلامُ، منْ قبلُ. وبيّنَ أنّ دويّكُمْ بالأسْحارِ. كدويّ النّحلِ في القِفارِ. فشرَفاً لكُمْ ببِشارَةِ المُصطَفى. وواهاً لمِصرِكُمْ وإنْ كانَ قدْ عَفا. ولمْ يبْقَ منهُ إلا شَفاً. ثمّ إنهُ خزَنَ لسانَهُ. وخطَمَ بيانَهُ. حتى حُدِجَ بالأبْصارِ. وقُرِفَ بالإقْصارِ. ووُسِمَ بالاستِقْصارِ. فتنفّسَ تنفُّسَ مَنْ قِيدَ لقَوَدٍ. أو ضبَثَتْ بهِ براثِنُ أسَدٍ. ثمّ قال: أما أنتُمْ يا أهلَ البَصرَةِ فما منْكُمْ إلا العَلَمُ المعروفُ. ومنْ لهُ المعرفَةُ والمعروفُ. وأما أنا فمَنْ عرَفَني فأنا ذاكَ. وشرُّ المَعارِفِ منْ آذاكَ. ومنْ لم يُثْبِتْ عِرْفَتي فسأصْدُقُهُ صِفَتي. أنا الذي أنجدَ وأتهَمَ. وأيمَنَ وأشأمَ. وأصْحرَ وأبحَرَ. وأدْلَجَ وأسْحَرَ. نشأتُ بسَروجَ. ورَبيتُ على السُّروجِ. ثمّ ولَجْتُ المَضايقَ. وفتحْتُ المغالِقَ. وشهِدْتُ المَعارِكَ. وألَنْتُ العَرائِكَ. واقْتَدْتُ الشّوامِسَ. وأرْغَمْتُ المَعاطِسَ. وأذَبْتُ الجَوامِدَ. وأمَعْتُ الجَلامِدَ. سَلوا عني المشارِقَ
والمَغارِبَ. والمَناسِمَ والغَوارِبَ. والمَحافِلَ والجَحافِلَ. والقَبائِلَ والقَنابِلَ. واستَوْضِحوني منْ نقَلَةِ الأخْبارِ. ورُواةِ الأسْمارِ. وحُداةِ الرُكْبانِ. وحُذّاقِ الكُهّانِ. لتَعْلَموا كمْ فجٍّ سلَكْتُ. وحِجابٍ هتكْتُ. ومَهلَكةٍ اقتَحمْتُ. ومَلحَمَةٍ ألْحَمْتُ. وكمْ ألْبابٍ خدَعْتُ. وبِدَعٍ ابتَدَعْتُ. وفُرَصٍ اختلَسْتُ. وأُسُدٍ افترَسْتُ. وكمْ محلِّقٍ غادَرْتُهُ لَقًى. وكامِنٍ استَخرَجْتُهُ بالرُّقى. وحجَرٍ شحذْتُهُ حتى انصدَعَ. واستَنْبَطْتُ زُلالَهُ بالخُدَعِ. ولكِنْ فرَطَ ما فرَطَ والغُصْنُ رَطيبٌ. والفَوْدُ غِرْبيبٌ. وبُرْدُ الشّبابِ قَشيبٌ. فأمّا الآنَ وقدِ استشَنّ الأديمُ. وتأوّدَ القَويمُ. واستَنارَ اللّيلُ البَهيمُ. فليْسَ إلا النّدَمُ إنْ نفَعَ. وترْقيعُ الخَرْقِ الذي قدِ اتّسَعَ. وكُنتُ رُوّيتُ منَ الأخْبارِ المُسنَدَةِ. والآثارِ المُعتَمَدةِ. أن لكُمْ منَ اللهِ تعالى في كلّ يومٍ نَظرَةً. وأنّ سِلاحَ الناسِ كلّهِمِ الحَديدُ. وسِلاحَكُمُ الأدْعِيَةُ والتّوْحيدُ. فقصَدْتُكُمْ أُنْضي الرّواحِلَ. وأطْوي المَراحِلَ. حتى قُمْتُ هذا المَقامَ لَديْكُمْ. ولا مَنّ لي عليكُمْ. إذْ ما سعَيْتُ إلا في حاجَتي. ولا تعِبْتُ إلا لراحَتي. ولسْتُ أبْغي أعطِيَتَكُمْ. بل أستَدْعي أدعِيتَكُمْ. ولا أسْألُكُمْ أموالَكُمْ. بل أستنزِلُ سُؤالَكُمْ. فادْعوا الى اللهِ بتوْفيقي للمَتابِ. والإعْدادِ للمآبِ. فإنهُ رفيعُ الدّرَجاتِ. مُجيبُ الدّعَواتِ. وهوَ الذي يقبلُ التّوبَةَ عنْ عِبادِهِ ويعْفو عنِ السّيّئاتِ. ثمّ أنشدَ:بَ. والمَناسِمَ والغَوارِبَ. والمَحافِلَ والجَحافِلَ. والقَبائِلَ والقَنابِلَ. واستَوْضِحوني منْ نقَلَةِ الأخْبارِ. ورُواةِ الأسْمارِ. وحُداةِ الرُكْبانِ. وحُذّاقِ الكُهّانِ. لتَعْلَموا كمْ فجٍّ سلَكْتُ. وحِجابٍ هتكْتُ. ومَهلَكةٍ اقتَحمْتُ. ومَلحَمَةٍ ألْحَمْتُ. وكمْ ألْبابٍ خدَعْتُ. وبِدَعٍ ابتَدَعْتُ. وفُرَصٍ اختلَسْتُ. وأُسُدٍ افترَسْتُ. وكمْ محلِّقٍ غادَرْتُهُ لَقًى. وكامِنٍ استَخرَجْتُهُ بالرُّقى. وحجَرٍ شحذْتُهُ حتى انصدَعَ. واستَنْبَطْتُ زُلالَهُ بالخُدَعِ. ولكِنْ فرَطَ ما فرَطَ والغُصْنُ رَطيبٌ. والفَوْدُ غِرْبيبٌ. وبُرْدُ الشّبابِ قَشيبٌ. فأمّا الآنَ وقدِ استشَنّ الأديمُ. وتأوّدَ القَويمُ. واستَنارَ اللّيلُ البَهيمُ. فليْسَ إلا النّدَمُ إنْ نفَعَ. وترْقيعُ الخَرْقِ الذي قدِ اتّسَعَ. وكُنتُ رُوّيتُ منَ الأخْبارِ المُسنَدَةِ. والآثارِ المُعتَمَدةِ. أن لكُمْ منَ اللهِ تعالى في كلّ يومٍ نَظرَةً. وأنّ سِلاحَ الناسِ كلّهِمِ الحَديدُ. وسِلاحَكُمُ الأدْعِيَةُ والتّوْحيدُ. فقصَدْتُكُمْ أُنْضي الرّواحِلَ. وأطْوي المَراحِلَ. حتى قُمْتُ هذا المَقامَ لَديْكُمْ. ولا مَنّ لي عليكُمْ. إذْ ما سعَيْتُ إلا في حاجَتي. ولا تعِبْتُ إلا لراحَتي. ولسْتُ أبْغي أعطِيَتَكُمْ. بل أستَدْعي أدعِيتَكُمْ. ولا أسْألُكُمْ أموالَكُمْ. بل أستنزِلُ سُؤالَكُمْ. فادْعوا الى اللهِ بتوْفيقي للمَتابِ. والإعْدادِ للمآبِ. فإنهُ رفيعُ الدّرَجاتِ. مُجيبُ الدّعَواتِ. وهوَ الذي يقبلُ التّوبَةَ عنْ عِبادِهِ ويعْفو عنِ السّيّئاتِ. ثمّ أنشدَ:
أستغْفِرُ الـلـهَ مـنْ ذُنـوبٍ *** أفرَطْتُ فيهِـنّ واعْـتَـدَيْتُ
كمْ خُضْتُ بحْرَ الضّلالِ جهْلاً *** ورُحتُ في الغَيّ واغْتَـدَيْتُ
وكمْ أطَعْتُ الهَوى اغْتِـراراً *** واختَلْتُ واغْتَلْتُ وافْتـرَيْتُ
وكمْ خلَعْتُ العِذارَ ركْـضـاً *** الى المَعاصي ومـا ونَـيْتُ
وكمْ تَناهَيْتُ في التّخـطّـي *** الى الخَطايا وما انتـهـيْتُ
فلَيتَني كُـنـتُ قـبـل هـذا *** نَسْياً ولمْ أجْنِ مـا جـنَـيْتُ
فالمَوتُ للُـجْـرِمـين خـيرٌ *** من المَساعي التي سـعَـيْتُ
يا رَبِّ عفْواً فـأنْـتَ أهـلٌ *** للعَفْوِ عنّي وإنْ عـصَـيْتُ

قال الرّاوي: فطفِقَتِ الجَماعَةُ تُمِدّهُ بالدّعاء. وهوَ يقلّبُ وجْهَهُ في السّماء. الى أن دمَعَتْ أجفانُهُ. وبَدا رَجفانُهُ. فصاحَ: اللهُ أكبرُ بانَتْ أمارَةُ الاستِجابَةِ. وانْجابَتْ غِشاوَةُ الاستِرابَةِ. فجُزيتُمْ يا أهلَ البُصَيْرَةِ. جَزاءَ منْ هدَى منَ الحَيرَةِ. فلمْ يبْقَ منَ القوْمِ إلا منْ سُرّ لسُرورِهِ. ورضخَ لهُ بمَيْسورِهِ. فقَبِلَ عفْوَ بِرّهِمْ. وأقبلَ يُغْرِقُ في شُكرِهِمْ. ثمّ انحدَرَ منَ الصّخرَةِ. يؤمّ شاطئَ البَصرَةِ. واعْتَقَبْتُهُ الى حيثُ تخالَيْنا. وأمِنّا التّجسّسَ والتّحسّسَ علَيْنا. فقلْتُ لهُ: لقدْ أغْرَبْتَ في هذِهِ النّوبَةِ. فما رأيُكَ في التّوبَةِ? فقال: أُقسِمُ بعَلاّمِ الخَفيّاتِ. وغَفّارِ الخطيّاتِ. إنّ شأني لَعُجابٌ. وإنّ دُعاء قومِكَ لَمُجابٌ. فقلتُ: زِدْني إفْصاحاً. زادَكَ اللهُ صَلاحاً! فقال: وأبيكَ لقدْ قُمتُ فيهِمْ مَقامَ المُريبِ الخادِعِ. ثمّ انقلَبْتُ منهُمْ بقَلْبِ المُنيبِ الخاشِعِ! فطوبى لمَنْ صغَتْ قُلوبُهُمْ إليْهِ. وويْلٌ لمَنْ باتوا يدْعونَ عليْهِ! ثمّ ودّعَني وانطلَقَ. وأوْدَعَني القلَقَ. فلمْ أزَلْ أُعاني لأجْلِهِ الفِكَرَ. وأتشوّفُ الى خِبرَةِ ما ذكرَ. وكلّما استَنشَيْتُ خبرَهُ منَ الرُّكْبانِ. وجَوّابَةِ البُلْدانِ. كُنتُ كمَنْ حاوَرَ عجْماء. أو نادَى صخْرَةً صمّاء. الى أن لَقيتُ بعْدَ تَراخي الأمَدِ. وتَراقي الكَمَدِ. ركْباً قافِلينَ منْ سفَرٍ. فقلتُ: هلْ منْ مُغرِّبَةِ خبَرٍ? فقالوا: إنّ عندَنا لخَبراً أغرَبَ منَ العَنْقاء. وأعْجَبَ منْ نظَرِ الزّرْقاء. فسألتُهُمْ إيضاحَ ما قالوا. وأنْ يَكيلوا بما اكْتالوا. فحَكَوْا أنهمْ ألمّوا بسَروجَ. بعْدَ أنْ فارقَها العُلوجُ. فرأوْا أبا زيْدِها المعْروفَ. قد لبِسَ الصّوفَ. وأَمَّ الصّفوفَ. وصارَ بها الزّاهِدُ الموصوفَ. فقلتُ: أتعْنونَ ذا المَقاماتِ? فقالوا: إنهُ الآنَ ذو الكَراماتِ! فحفَزَني إليْهِ النّزاعُ. ورأيتُها فُرصَةً لا تُضاعُ. فارْتَحلْتُ رِحلَةَ المُعِدّ. وسِرْتُ نحوَهُ سيرَ المُجِدّ. حتى حللْتُ بمسْجِدِهِ. وقرارَةِ متعبّدِهِ. فإذا هوَ قد نبَذَ صُحبَةَ أصْحابِهِ. وانتصَبَ في مِحْرابِهِ. وهو ذو عَباءةٍ مخلولَةٍ. وشمْلَةٍ موصولَةٍ. فهِبْتُهُ مَهابَةَ منْ ولَجَ على الأسودِ. وألْفَيْتُهُ ممّنْ سِيماهُمْ في وُجوهِهِمْ منْ أثَرِ السّجودِ. ولمّا فرَغَ منْ سُبْحتِهِ. حيّاني بمُسبِّحَتِهِ. منْ غيرِ أن نغَمَ بحديثٍ. ولا استَخْبرَ عنْ قديمٍ ولا حَديثٍ. ثمّ أقْبلَ على أوْرادِهِ. وتركَني أعجَبُ منِ اجتِهادِهِ. وأغبِطُ مَنْ يَهدي اللهُ منْ عِبادِهِ. ولمْ يزَلْ في قُنوتٍ وخُشوعٍ. وسُجودٍ ورُكوعٍ. وإخْباتٍ وخُضوعٍ. الى أن أكْملَ إقامَة الخمْسِ. وصارَ اليومُ أمْسِ. فحينئذٍ انْكفأ بي الى بيتِهِ. وأسْهَمَني في قُرْصِهِ وزَيْتِهِ. ثمّ نهضَ الى مُصلاّهُ. وتخلّى بمُناجاةِ موْلاهُ. حتى إذا التمَعَ الفجرُ. وحقّ للمُتهَجِّدِ الأجْرُ. عقّبَ تهجّدَهُ بالتّسْبيحِ. ثمّ اضطَجَعَ ضِجْعَةَ المُستريحِ. وجعلَ يرجّعُ بصوْتٍ فَصيحٍ:
خلِّ ادّكـارَ الأرْبُــعِ *** والمعْهَدِ المُـرتَـبَـعِ
والظّاعِـنِ الـمـودِّعِ *** وعـدِّ عـنْــهُ ودَعِ
وانْدُبْ زَماناً سـلَـفـا *** سوّدْتَ فيهِ الصُّحُفـا
ولمْ تزَلْ مُعـتـكِـفـا *** على القبيحِ الشّـنِـعِ
كمْ لـيلَةٍ أودَعْـتَـهـا *** مآثِمـاً أبْـدَعْـتَـهـا
لشَهوَةٍ أطَـعْـتَـهـا *** في مرْقَدٍ ومَضْجَـعِ
وكمْ خُطًى حثَثْـتَـهـا *** في خِزْيَةٍ أحْدَثْتَـهـا
وتوْبَةٍ نـكَـثْـتَـهـا *** لمَلْـعَـبٍ ومـرْتَـعِ
وكمْ تجـرّأتَ عـلـى *** ربّ السّمَواتِ العُلـى
ولـمْ تُـراقِـبْـهُ ولا *** صدَقْتَ في ما تدّعـي
وكمْ غمَـصْـتَ بِـرّهُ *** وكمْ أمِنْـتَ مـكْـرَهُ
وكـمْ نـبَـذْتَ أمـرَهُ *** نبْذَ الحِذا الـمـرقَّـعِ
وكمْ ركَضْتَ في اللّعِبْ *** وفُهْتَ عمْداً بالكَـذِبْ
ولـمْ تُـراعِ مـا يجِـبْ *** منْ عهْدِهِ الـمـتّـبَـعِ
فالْبَسْ شِـعـارَ الـنّـدمِ *** واسكُبْ شـآبـيبَ الـدّمِ
قبـلَ زَوالِ الـقـــدَمِ *** وقبلَ سوء المـصْـرَعِ
واخضَعْ خُضوعَ المُعترِفْ *** ولُذْ مَلاذَ المُـقـتـرِفْ
واعْصِ هَواكَ وانحَـرِفْ *** عنْهُ انحِرافَ المُقـلِـعِ
إلامَ تـسْـهـو وتَـنـي *** ومُعظَمُ العُمـرِ فَـنـي
في ما يضُرّ المُقْـتَـنـي *** ولسْـتَ بـالـمُـرْتَـدِعِ
أمَا ترَى الشّـيبَ وخَـطْ *** وخَطّ في الرّأسِ خِطَـطْ
ومنْ يلُحْ وخْطُ الشّـمَـطْ *** بفَـودِهِ فـقـدْ نُـعـي
ويْحَكِ يا نفسِ احْرِصـي *** على ارْتِيادِ المَخـلَـصِ
وطاوِعي وأخْـلِـصـي *** واسْتَمِعي النُّصْحَ وعـي
واعتَبِرِي بمَـنْ مـضـى *** من القُرونِ وانْقَـضـى
واخْشَيْ مُفاجاةَ القَـضـا *** وحاذِري أنْ تُخْـدَعـي
وانتَهِجي سُبْـلَ الـهُـدى *** وادّكِري وشْـكَ الـرّدى
وأنّ مـثْـواكِ غـــدا *** في قعْرِ لحْـدٍ بـلْـقَـعِ
آهاً لـهُ بـيْتِ الـبِـلَـى *** والمنزِلِ القفْرِ الـخَـلا
وموْرِدِ السّـفْـرِ الأُلـى *** واللاّحِـقِ الـمُـتّـبِـعِ
بيْتٌ يُرَى مَـنْ أُودِعَــهْ *** قد ضمّهُ واسْـتُـودِعَـهْ
بعْدَ الفَضاء والـسّـعَـهْ *** قِيدَ ثَـــــلاثِ أذْرُعِ
لا فـرْقَ أنْ يحُـلّـــهُ *** داهِـيَةٌ أو أبْــلَـــهُ
أو مُعْسِـرٌ أو مـنْ لـهُ *** مُلكٌ كـمُـلْـكِ تُـبّـعِ
وبعْدَهُ الـعَـرْضُ الـذي *** يحْوي الحَييَّ والـبَـذي
والمُبتَدي والمُـحـتَـذي *** ومَنْ رعى ومنْ رُعـي
فَيا مَفـازَ الـمـتّـقـي *** ورِبْحَ عبْـدٍ قـد وُقِـي
سوءَ الحِسابِ المـوبِـقِ *** وهـوْلَ يومِ الـفــزَعِ
ويا خَسـارَ مَـنْ بـغَـى *** ومنْ تعـدّى وطَـغـى
وشَبّ نـيرانَ الـوَغـى *** لمَطْعَـمٍ أو مـطْـمَـعِ
يا مَنْ عليْهِ الـمـتّـكَـلْ *** قدْ زادَ ما بي منْ وجَـلْ
لِما اجتَرَحْتُ مـن زلَـلْ *** في عُمْري الـمُـضَـيَّعِ
فاغْفِرْ لعَبْـدٍ مُـجـتَـرِمْ *** وارْحَمْ بُكاهُ المُنسـجِـمْ
فأنتَ أوْلـى مـنْ رَحِـمْ *** وخـيْرُ مَـدْعُـوٍّ دُعِـي
قال الحارثُ بنُ همّامٍ: فلمْ يزَلْ يرَدّدُها بصوتٍ رقيقٍ. ويصِلُها بزَفيرٍ وشَهيقٍ. حتى بكيتُ لبُكاء عينيهِ. كَما كُنتُ منْ قبلُ أبكي عليْهِ. ثمّ برزَ الى مسجِدِهِ. بوُضوء تهجّدِهِ. فانطلَقْتُ رِدْفَهُ. وصلّيتُ مع مَنْ صلّى خلفهُ. ولمّا انفَضّ مَنْ حضَرَ. وتفرّقوا شغَرَ بغَرَ. أخذَ يُهَينِمُ بدَرْسِهِ. ويسْبِكُ يومَهُ في قالِبِ أمْسِهِ. وفي ضِمْنِ ذلِكَ يُرِنّ إرْنانَ الرَّقوبِ. ويبْكي ولا بُكاءَ يعْقوبَ. حتى استَبَنْتُ أنهُ التحقَ بالأفْرادِ. وأُشرِبَ قلبُهُ هوى الانْفِرادِ. فأخطَرْتُ بقَلْبي عَزْمَةَ الارتِحالِ. وتخْلِيَتَهُ والتّخلّي بتِلكَ الحالِ. فكأنهُ تفرّسَ ما نويْتُ. أو كوشِفَ بما أخْفَيْتُ. فزفَرَ زَفيرَ الأوّاهِ. ثمّ قرأ: فإذا عزَمْتَ فتوكّلْ على اللهِ. فأسْجَلْتُ عندَ ذلِكَ بصِدْقِ المُحدّثينَ. وأيقَنْتُ أنّ في الأمّةِ محَدّثينَ. ثمّ دنَوْتُ إليْهِ كما يدْنو المُصافِحُ. وقلتُ: أوْصِني أيها العبْدُ النّاصِحُ. فقال: اجعَلِ الموتَ نُصْبَ عينِكَ. وهذا فِراقُ بيني وبينِكَ. فودّعْتُهُ وعبَراتي يتحدّرْنَ منَ المآقي. وزَفَراتي يتصَعّدْنَ منَ التّراقي. وكانتْ هذِهِ خاتِمَةَ التّلاقي.
خاتمة
قال الشيخُ الرّئيسُ أبو محمّدٍ القاسِمُ بنُ عليّ برّدَ اللهُ مَضْجَعَهُ:
هذا آخِرُ المَقاماتِ التي أنشأتُها بالاغْتِرارِ. وأملَيْتُها بلِسانِ الاضْطِرارِ. وقدْ أُلجِئْتُ الى أن أرصَدْتُها للاستِعْراضِ. ونادَيْتُ عليْها في سوقِ الاعْتِراضِ. هذا معَ معرِفَتي بأنها منْ سقَطِ المَتاعِ. وممّا يستَوجِبُ أنْ يُباعَ ولا يُبْتاعَ. ولوْ غشِيَني نورُ التّوفيقِ. ونظرْتُ لنفْسي نظرَ الشّفيقِ. لسَترْتُ عَواري الذي لمْ يزَلْ مسْتوراً. ولكِنْ كانَ ذلِكَ في الكِتابِ مسْطوراً. وأنا أسَغْفِرُ اللهَ تعالَى ممّا أودَعْتُها منْ أباطيلِ اللّغْوِ. وأضاليلِ اللّهْوِ. وأسترْشِدُهُ الى ما يعْصِمُ منَ السّهْوِ. ويُحْظي بالعَفْوِ. إنهُ هوَ أهلُ التّقْوى وأهلُ المَغفِرَةِ. ووليُّ الخيْراتِ في الدُنْيا والآخِرَةِ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
loots
عضو مجلس الادارة ومدير منتدى الحوار والتعارف
عضو مجلس الادارة ومدير منتدى الحوار والتعارف
loots


انثى
عدد الرسائل : 415
الاوسمة : المقامة 51-52 الساسانية - البصرية D9d43b10
السٌّمعَة : 0
نقاط : 38
تاريخ التسجيل : 27/11/2007

المقامة 51-52 الساسانية - البصرية Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقامة 51-52 الساسانية - البصرية   المقامة 51-52 الساسانية - البصرية I_icon_minitimeالخميس يناير 17, 2008 9:21 am


مقامات الحرير من بحر لغتنا العربية .... والتي زادت لغتنا العربية ثراء بمعانيها

أخي خالد فنان دائما في اختيار مواضيعك

الله يعطيك ألف عافية ...

بس كان عندي ملاحظة صغيرة ....

يا ريت لو كل مقامة كانت بموضوع لحالها .... لانه هيك صارالموضوع طويل كتير

والله لا يحرمنا من مواضيعك الحلوة

تقبل مروري


Loots flower
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
khaled1212
عضو ماسي
عضو ماسي
khaled1212


ذكر
عدد الرسائل : 2380
السٌّمعَة : 1
نقاط : 60
تاريخ التسجيل : 05/10/2007

المقامة 51-52 الساسانية - البصرية Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقامة 51-52 الساسانية - البصرية   المقامة 51-52 الساسانية - البصرية I_icon_minitimeالخميس يناير 17, 2008 11:51 am

الاخت العزيزة لوتس

السلام عليكم ورحمة الله

أقدر لك مرورك الغالي ولا اخفي سعادتي
بتدخلاتك الهامة والمفيدة والتي تهدف في المقام الاول
مصلحة المنتديات .

تقبلي بالغ تحياتي

خالد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سيارات الشباب
مشرف
مشرف
سيارات الشباب


ذكر
عدد الرسائل : 1770
العمر : 25
الاوسمة : المقامة 51-52 الساسانية - البصرية Wesaam12
السٌّمعَة : 0
نقاط : 41
تاريخ التسجيل : 09/10/2007

المقامة 51-52 الساسانية - البصرية Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقامة 51-52 الساسانية - البصرية   المقامة 51-52 الساسانية - البصرية I_icon_minitimeالإثنين أبريل 14, 2008 11:56 am

شكرا على المشاركة
الجميلة والرائعة

تحياتي

سيارات الشباب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://thaqafa.yoo7.com
ابو حسين
مشرف
مشرف
ابو حسين


عدد الرسائل : 2613
الاوسمة : المقامة 51-52 الساسانية - البصرية Mosamem
السٌّمعَة : 0
نقاط : 9
تاريخ التسجيل : 09/10/2007

المقامة 51-52 الساسانية - البصرية Empty
مُساهمةموضوع: رد: المقامة 51-52 الساسانية - البصرية   المقامة 51-52 الساسانية - البصرية I_icon_minitimeالإثنين يوليو 07, 2008 2:02 pm

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكراعلى الموضيع الجديدة والرائعة

مع تحيات

ابو حسين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المقامة 51-52 الساسانية - البصرية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتدى الادبي :: لغتنا العربية-
انتقل الى: